برميت وزلابيا

كانت السعادة ترتسم على وجوهنا الصغيرة قبل أكثر من خمسة وثلاثين سنة، ننتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، سواء كان في عز الحر أو عز البرد، نرتدي ملابسنا، ونحمل تلك الأكياس المصنوعة من القماش، نخرج من البيوت ونتجول في أنحاء الفريج، نمر على بيوت الجيران، نردد بكل عفوية: عطونا حق الليلة، تستقبلنا جاراتنا بالترحيب، ثم نحصل على كمية من المكسرات والحلويات والبرميت، وربما في بعض الأحيان قطعة من الزلابيا.

المجتمعات الإسلامية تتصارع على الأمور الصغيرة وتترك جانباً الأمور الكبيرة.

نعود مع أذان المغرب، وقد امتلأت الأكياس القماشية عن بكرة أبيها، نفتح الكيس وننثر كل ما فيه على الأرض ليتباهى كل واحد منا بما حصد من الحلويات والمكسرات البيضاء والوردية والزرقاء وغيرها، وقد تخبئ الكيس في مكان لا يعلم به أحد، كي لا يسرق أحدهم شيئاً مما حصلت عليه سواء كانوا من الصغار أو حتى من الكبار الذين يسترجعون ذكريات الطفولة.

واستمر الاحتفال بهذه المناسبة من باب التراث، حيث تقوم بعض الجهات بالترويج لهذه المناسبة من باب إحياء التراث ورسم البسمة على شفاه الأطفال، وتطور الاحتفال مع أطفال الديجتال ليصبح مقتصراً على محيط الأسرة، وفي بعض الأحيان ينتقل بهم السائق من بيت إلى بيت، وتتكفل الخادمات بحمل الأكياس المزركشة والمطرزة باعتبار أن أطفال هذه الأيام معرضون للكسر وغير قادرين حتى على حمل أنفسهم!

منذ أن كنا صغاراً لا نفقه شيئاً في الحياة حتى أصبح الواحد منا بطول النخلة، لم نسمع أن «حق الليلة» حرام وبدعة، بل لم نسمع في أيامنا تلك أن احتفال الصغار في ليلة النصف من شعبان يأتي في إطار التعبد لله، بل هي مناسبة حسنة، يفرح فيها الأطفال ويعلمون من خلالها بقرب شهر رمضان الكريم بعد أسبوعين من هذه الليلة.

المثير للاستغراب أنه منذ فترة تتكرر الأسطوانة نفسها، ذاك يحرم وهذا يحلل، أحدهم يستشهد بفتوى إباحة، وآخر يستشهد بفتوى تُحرم هذه المناسبة، حرب ضروس تشتعل، تتبادل فيها الاتهامات هنا وهناك.

المجتمعات الإسلامية تتصارع على الأمور الصغيرة وتترك جانباً الأمور الكبيرة، البعض يبحث عن فتوى تبيح المحظورات، والبعض الآخر يبحث عن فتوى لإباحة المحرمات، وضاع الإنسان البسيط كالعادة بين هذا وذاك ليلطم برأسه ذا الجدار وذا الجدار!

باختصار، لنعش بسلام، من أراد الاحتفال بحق الليلة ليسعد الأطفال فهذا شأنه، ومن أراد أن يبتعد عنها فهذا شأنه، إنما الرجاء كل الرجاء ارحمونا من صدعة كل عام.

Emarat55@hotmail.com

Twitter: @almzoohi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة