مزاح.. ورماح
مجرّد ثقوب..
أثناء متابعتي الحثيثة لـ«توم وجيري» طوال السنوات الماضية، لم تكن تعنيني المطاردات اليومية بين توم وغريمه، كما لم تكن تستفزني المقالب التي كان يأكلها القط دون أن يتعلم الدرس أو يثأر لكرامته، بل كان أكثر ما يقهرني قطع الجبن الصفراء التي تظهر في المسلسل الكرتوني، ذات المنظر الشهي، والثقوب الكثيرة، من أين يأتون بها؟ فحدود خبرتي تقف عند جبنة «المثلثات»، وفي أحسن الأحوال تلك الجبنة البيضاء البلدية الملساء والمالحة، لأكتشف لاحقاً أنها تدعى الجبنة السويسرية، وأرجو أن تضعوا خطّاً تحت كلمة «أكتشف»، ولم أقل «أتذوق»، حيث لاتزال حدود خبرتي، كما هي، تنحصر بين جبنة المثلثات والقطع البلدية المربّعة البيضاء غير المنتظمة، التي عادة ما تقسّم حسب رقعة «كفّ» الحاجة أم العبد.
**
وكما تعرفون، فالغرب لا يترك شيئاً دون البحث في أسبابه ومسبباته، بدءاً من ثقب الأوزون، وليس انتهاء بثقوب الجبنة الصفراء، فبعد مئة عام من البحث والدراسات المختلفة على أقراص الجبن السويسري، اكتشف العلماء سرّ الثقوب الظاهرة، والتي شكلت لهم قلقاً وحيرة طوال قرن كامل، ليكتشفوا أن سقوط بعض جزيئات التبن الدقيقة جداً في وعاء الحليب، أثناء حلب الأبقار، هذه الجزيئات تفرز غازات أثناء التخمّر، ما ينتج الثقوب في مجسم الجبن عند تقطيعه، طبعاً ارتاح البال السويسري عندما وصلوا إلى هذه القناعة، ولأنني عربي، مهنتي أن «أفقس» أي إنجاز مهم، أريد أن أخبرهم بأن نصف الحليب الذي كنا نشربه كان مطعّماً بالتبن والشعير والبرغش، ومع ذلك لم ينتج أي فقاعة تذكر في الجبنة البلدية، لذا أتمنى عليكم أن تعيدوا الدراسة من جديد منذ الآن وإلى مئة عام جديدة، لتأتوا لنا بنتائج مقنعة.
مئة عام حتى يكتشفوا أن جزيئات التبن تسبب فقاعات الجبن، بينما ثور جيراننا وضع رجله اليمنى في دلو الحليب، فأخرجت الجارة الطيبة رجله، وأمسكت بها، وحاولت عصر ما علق بقدمه من حليب في الوعاء نفسه، وذلك من باب البركة والحفاظ على الرزق.
مئة عام حتى يكتشفوا سبب فقاعات الجبن السويسري، ونحن كلما رأينا كائناً سابحاً في دلو الحليب، كان أهلنا يهوّنون الأمر علينا، ويسخفون الملاحظة بأنها مجرّد «قرادة»، وكأن «القرادة» كبسولة كالسيوم!
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .