5 دقائق
حوار الشرق والغرب
انعقد حوار الشرق والغرب في مدينة فلورنسا التاريخية العريقة بالمسيحية الكاثوليكية والحضارة الإنسانية بإيطاليا في الثامن والتاسع من هذا الشهر، برئاسة شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، وكان الشرق والغرب في همٍّ واحد بحال الإنسان المسلم والإنسان المسيحي وغيرهما، وذلك لما طرأ على هذا الإنسان من تطور أدى إلى فقْد الثقة بينه وبين الآخر، وجعله يعيش في حالة من الخصام مع أخيه الإنسان، وسبب ذلك هو غياب هذا التلاقي المفضي إلى إزالة الوحشة بين بني الإنسان المختلفة ديانتهم، فكانت الديانات السماوية والوضعية سبباً للتناحر، مع ما بينها من القواسم المشتركة، وهي كثيرة، ولو أن هذه الاجتماعات كانت مبكرة لذهبت تلك الوحشة التي نشأت بفعل التباعد.
نحن المسلمين نؤمن بأن التحاور شرعه الله ــ عزّ وجلّ ــ مع الآخرين أيّاً كان نوعهم. |
لقد حضر هذا الاجتماع كثير من الأساقفة والكهنة والأحبار والحكماء من الساسة والمتدينين، ليسمعوا من حكماء المسلمين، وليعبروا عن شعورهم نحو الإسلام وأهله، فسمعوا من حكماء المسلمين الكثير الطيب، وسمعنا منهم كثيراً طيباً كذلك، فلم نجد منهم اللسان العدواني، ولم نلمس منهم الشر المبيّت، بل سمعنا منهم أنهم يشاطروننا همّ الحياة الكريمة لمسلمي الشرق في بلدانهم، والتعايش المشترك الذي وفدوا إليه.
وجدنا منهم صدوراً رحبة لتقبل الآخر لو أن الساسة سمعوا لهم، ولو أن المسلمين أحسنوا التعامل مع شعوب الغرب.
سمعنا منهم امتناناً للشرق مهد الديانات، ومنبع الحضارات، وموئل التعايش مع مختلف تلك الديانات عبر القرون الطويلة.
كما سمعنا منهم مَرارة بالغة من عدم إنصاف المسلمين الذين أخذوا بجريرة «داعش» وأخواتها، فنشأت «فوبيا الإسلام» في أوروبا والغرب، الأمر الذي جعل المسلمين يعيشون حالة خوف وترقب، وذلك ما لا يسر أحداً.
تبادلنا أفكار أسس الحوار ليستمر وليذهب الخوف من الآخر، حواراً في الشرق وآخر في الغرب، وما يجب أن يتبع هذا الحوار من أمور عملية تبدأ بالتعليم ولا تنتهي بالمصالح، ذلك أن الحوار هو العامل الأهم في تقاسم التعايش، لأنه يجعل كل واحد أمام الآخر على كلمة سواء، وعلى اطمئنان بأن الآخر هو إنسان له حقوق وعليه واجبات، ولا يتمّ التعايش إلا ببذل الواجبات وأخذ الحقوق.
ونحن المسلمين نؤمن بأن التحاور شرعه الله ــ عزّ وجلّ ــ مع الآخرين، أيّاً كان نوعهم، لأنه السبيل الوحيد لتبليغ رسالة الإسلام وبيان محاسنه، وهو المنهج الذي سار عليه النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ في جميع مراحل حياته الدعوية، ويجب أن يستمر كذلك، ليتم التعارف ويحصل التعايش، وهذه الخطوة التي بدأت من مجلس الحكماء ستتبعها خطوات لعلها تؤدي الأثر المطلوب، إن شاء الله تعالى.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .