وطن افتراضي..

الفرق بيننا وبين مؤسس «فيس بوك» الأخ «مارك»، أن «مارك» لم يكن لديه أصدقاء من لحم ودم حقيقيين، فاخترع وسيلة مبتكرة لتجد له أصدقاء افتراضيين.. أما نحن فقد كان لدينا أصدقاء من لحم ودم حقيقيين، فبحثنا عن وسيلة مبتكرة لتحوّلهم إلى أصدقاء افتراضيين.

**

أستغرب مثلاً من جاري «الحيط بالحيط»، يمر صباحاً من أمامي، وأنا أهمّ بالخروج من البيت، ولا يلقي عليّ السلام.. لكن فور كتابة «تعليق» أو وضع صورة على صفحتي الشخصية تنهال كلمات الثناء والإطراء والمديح والإعجاب منه، كأنني «راغب علامة».. في المقابل عندما تكون في وضعية لا تحسد عليها، وبطارية السيارة ضعيفة وبحاجة إلى مساعدة أحدهم بشحن القطبين لأقل من دقيقة، ستجد الجميع ارتدوا النظارات السوداء، ومارسوا دور «عدم الانتباه» المدروس، وقادوا سياراتهم باستقامة من أمامك، والبعض يحاول أن ينشغل بالهاتف فور مروره أمامك، كي يوهمك أنه لم يرك أبداً.. لكن عند تصويرك «سيلفي» مع الميكانيكي، أو تحت غطاء «الماتور» ستنهال عليك «اللايكات» والدعوات بالخير و«عسى ما شر».. عسى ما شر؟ّ! كنت أريد بدل سيل «اللايكات» المصوبة تجاهي، وأنا في كراج التصليح، لو أن أحدكم تكرّم عليّ وأعطاني سلك «الشحن».

**

حتى المناسبات بدأت تتغير ملامحها.. قبل سنوات كان إذا تخرج قريب أو ابن عم، أو تزوّج آخر، أو تشافى مريض، فلابد من الذهاب إلى المناسبة والمشاركة فيها منذ اللحظة الأولى لانطلاقها، حتى إدخال آخر كرسي فيها، بالإضافة إلى الهدية أو النقوط اللذين لا تكتمل المشاركة إلا بهما، الآن يسأل الأب ابنه:

- باركت لابن عمك؟

- الشاب: آه باركت له!

- الأب: متى؟!

- الابن: حطيت له «لايك» و«شير» و«كومنت»!

- الأب: بارك الله فيك يا ابني...!

**

حتى باقات الورود، التي كانت تصلنا نادراً من المعجبين بين فترة وأخرى، تحوّلت إلى ورود افتراضية، ترسل تحت «البوست» كنوع من الإعجاب.. إيش أعمل «أشم اللاب توب مثلاً»؟!

في هذا الزمان اللامعقول، حيث يتحول كل شيء فيه إلى افتراضي، بدءاً من الحب الافتراضي، والقرب الافتراضي، والحزن الافتراضي، والتعاطف الافتراضي.. أخشى أن يتحوّل فيه الوطن إلى «وطن افتراضي»!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة