رسالة لليائسين
رمضان ليس ظاهرة كونية تأتي مرة في العمر وتنتهي، كما أنه ليس عاصفة رملية أو موجة حرّ قد تحيد عنّا وتصيب غيرنا أو العكس.. رمضان جزء من دوران السنة، وركن زمني سيبقى يتكرر مادام على الأرض حياة وثمة روح في الأجساد الطائعة، لذلك لا فائدة من التخوف أو التذمّر منه، أو الاستعداد المبالغ فيه، فرمضان ليس حرباً نووية، ولا حرب إبادة، رمضان شهر التزام ونظام وعبادة، فلتكن الفكرة الأساسية هي كيف تحوّل هذا الشهر إلى شهر استمتاع، ولو بحده الأدنى،
بمعنى أوضح لا داعي للغة الصينية التي ستتكلمها صباحاً مع «أم العيال»، نتيجة ارتخاء الحنك السفلي، وصعوبة ملامسة اللسان لسقف الحلق، فانخفاض الجلوكوز الذي تتخيله بسبب الصيام يحتاج على الأقل إلى ست ساعات حتى تظهر علاماته بعد انتهاء السحور، كما أرجو تهدئة حاجبيك المستنفرين كحاجبي وزير الخارجية الأميركي الأسبق (وارن كريستوفر)، فالاستفزاز يأتي بالعدوى والاستعداد المسبق، حاول أن تأخذ نفساً عميقاً، واعتبر كل معيق في الطريق من أزمات سير وارتفاع حرارة وتأخر عن الدوام في مصلحتك، فالنهار طويل، ولابد للطريق أن ينتهي.
في سباقات الجري كان معلم الرياضة دائماً ينبهنا ألا نركض بسرعة عالية في بداية السباق، كي لا نتعب باكراً، فالهرولة المتزنة تطيل مسافة الجري، وتحقق نتائج أفضل في النهاية، وعليه أخي الصائم عليك أن تسقط مثال السباق على الورع، فكلما التزمت كثيراً دفعة واحدة، وحاولت الحصول على أعلى كم من الحسنات ــ لاسيما أنه قبل يومين كان رصيدك من الحسنات كرصيد «أبوتريكة» في البنك هذه الأيام ــ فحتماً ستتعب وتمل، وتعود إلى عهد «الفنتزة» إياها.
**
في رمضان رسالة لليائسين دائماً بأن الرحمة موجودة، والمغفرة متوافرة بكميات هائلة، كما أنه رسالة لليائسين من حال الأمة الإسلامية، لو تفكرنا قليلاً لأبصرنا هذه الرسالة، تخيلوا أكثر من ملياري مسلم، تفرقهم السياسة والجغرافيا وأنظمة الحكم، هذا ملكي، هذا جمهوري، هذا أميري، هذا سلطاني، هذا آسيوي، هذا أوروبي، هذا إفريقي، هذا أميركي، لكن يجمعهم يوم صيام واحد، ويوم إفطار واحد. أكثر من ملياري مسلم، تفرقهم السياسة، لكن يمكن أن يتوحّدوا على موعد طبق الإفطار، وموعد طبق السحور. أرأيتم ما أسهل الوحدة إذا ما خيطت بخيط الرحمن.
بكل قسوته وحرارة قيظه، يبقى رمضان شهراً مفتوحاً للتفكّر والمعاني، وتذكّر يا الحبيب، كلما خرجت عن طور الصائم الهانئ، أنك تحمل بحفنتك حسناتك، وتمضي من طلوع الفجر إلى غياب الشمس، وفي آخر النهار إما أن ترتوي من حصاد كفيك، وإما لن ينالك من حفنتك سوى رطوبة اليدين وتعب المشوار.
صدقوني رمضان كريم.. وكريم جداً.
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .