رمضان مرحلة صفاء ونقاء

يمر المرء في مسيرة حياته بمراحل عمرية وعملية ونفسية.. قد يكون له نوع اختيار وكسب فيها، ليترتب على ذلك الجزاء ثواباً وعقاباً، حتى يقوم العدل الإلهي بين البشر، إلا أن المراحل التعبدية لا اختيار له فيها، فقد فرضها الله تعالى على عباده ليدرك بها العبد أجراً عظيماً، وذلك فضل من الله تعالى على عباده.

«شهر رمضان إحدى المراحل العمرية التي تمر على العبد فيتزود بها من الطاعة ما يكون له بها ذخر عظيم».

وشهر رمضان إحدى هذه المراحل العمرية التي تمر على العبد فيتزود بها من الطاعة ما يكون له بها ذخر عظيم، فإنه يتعبد فيه لله تعالى بالصيام شهراً كاملاً، فيدرك به سر الإخلاص لله رب العالمين، ويدرك به زكاء النفس بالتقوى، ويدرك به معاني التبتل إليه سبحانه بالقيام والدعاء والصدقات والإخاء الإيماني للمؤمنين، يدرك به معاني عبودية لله رب العالمين فيزداد بها قرباً ومحبة، يتجلى كل ذلك حينما يعلم العبد أن الله تعالى يتودد إلى الصائمين بقبول صومهم ومجازاتهم به من غير حساب، كما يخبر المولى عن نفسه بقوله في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» يتودد إليه حتى برائحته التي هي أثر عبادته، فهي عند الله تعالى أطيب من أي طيب عرفه الإنسان، فكيف بذاته، ليعلم المرء أنه في هذه الفترة الزمنية من عمره في حال يختلف عن مراحل عمره اليومية والشهرية والسنوية، هو في حال صفاء ونقاء وزكاء خُلقي كريم، هو في أنس مع الحق ومحبة للخلق، فلا يضاهي بهذه المرحلة العمرية شيئاً من مراحل حياته الأخرى.

ولما كان لابن آدم أعداء من شياطين الجن والإنس قد لا يسمحون له بالتمتع بهذه المرحلة بالصفاء التعبدي، فإن الله تعالى قد أعانه على ذلك فصفَّد فيه أولئك بالأغلال والسلاسل يسحبون كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين»، وفي رواية «إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين مردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنان، فلم يغلق منها باب، ونادى منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار».

كل ذلك ليدرك العبد لله تعالى أنه في هذه المرحلة من عمره هو في معية الله تعالى فيزداد بها تعلقاً ولها محبة وبها أنساً، فينسى بذلك ما يحتاجه الجسد من متع زائلة انتظاراً إلى متع باقية.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة