5 دقائق
ذلك مال رابح
كثير من الناس يظن أن التجارة والربح قاصران على ما يعرف بالتداول التجاري المادي في الحياة الدنيا، ناسين أن هناك تجارة أخرى تكون مع الله لا تقبل الخسران ولا البوار، فهي تجارة رابحة في جميع الأحوال، وأجلُّ ذلك ما كان منها دائماً غير منقطع، وهي الأوقاف التي يسري للمرء أجرها بعد وفاته كما لو كان يفعلها في حياته، كما قال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة الأنصاري الذي حبَّس أحب أمواله إليه: «ذلك مال رابح ذلك مال رابح»، وطلحة لم يتَّجر مع الناس حتى يربح ربحاً محسوساً، إنما اتَّجر مع الله تعالى القائل: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}، ودعا عباده أن ينفقوا في سبيله بما يحبون من المال؛ لأن ذلك هو باب نيل درجة البِر إليه {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}، فلم يتردد الأخيار عن ذلك، إذْ لم يبقَ أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له شيء إلا وقف، كما قال جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما، وذلك النهج الخيِّر لا زال يتنقل بين أثرياء الأمة الأخيار على مر العصور، حيث أسهموا في نفع البشرية بأوقافهم في كل مجالات الحياة، لاسيما العلم الذي لم ينهض في القديم والحديث إلا بإسهامات الخيرين بعطاياهم الجزلة، في إنشاء معاقل العلم وإعانة طالبيه وأهله، وقد كان لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله، اليد الطولى حين أنشأ قبل أعوام مؤسسة دبي العطاء بمبلغ ضخم جداً؛ لتعزيز فرص حصول الأطفال في البلدان النامية على التعليم الأساسي السليم، من خلال تصميم وتمويل برامج متكاملة وذات أثر ومستدامة وقابلة للتوسع.
«وذلك النهج الخيِّر لا زال يتنقل بين أثرياء الأمة الأخيار على مر العصور، حيث أسهموا في نفع البشرية بأوقافهم في كل مجالات الحياة». |
وفي الأمس القريب بادر رجل الأعمال الكبير عبدالله الغرير بوقف ثلث ثروته لدعم التعليم الجامعي الذي هو مفتاح كل نجاح للشعوب والأمم، فقد رأى وهو رجل ثقافة وخير كما هو رجل تجارة ونفع، أن التعليم العالي الذي يصعب حصوله على كثير من الناس، مع ما فيهم من أهلية؛ هو أجدر بالعون والدعم، فخصص ذلك الوقف الكبير لصالحه، حيث يستوعب في مرحلته الأولى 15 ألف منحة؛ فكم يا ترى سينفع هذا العطاء إذا تخرّج هذا العدد وأمثاله وهو مسلح بالعلم، لا جرم أنه سينهض بالأمة فضلاً عن الأفراد؛ لذلك كان جديراً بالإشادة والثناء من رئيس الحكومة وجميع من نعرف ومن لا نعرف، فزاده الله فضلاً وكثر من أمثاله.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .