مزاح.. ورماح

حلاقة مجانية جداً..

أحمد حسن الزعبي

من البديهي أن يرى الجائع القمر رغيفاً، والشاعر يراه وجه حبيبته، والمسافر يراه مصباحاً يدوياً يكشف له عيوب الدروب، والفقير يخاله درهماً، واللص يراه عميلاً كونياً.. كذلك الكاتب الساخر يرى الخبر الذي يقطر ألماً ضحكة غارقة في قاع الأحزان بعدما عجز يمّ الدم عن حملها.

ليلة العيد تكفلت جمعية خيرية محلية في سورية بـ«الحلاقة المجانية» لأكثر من 3000 طفل وشاب سوري في الغوطة الشرقية المحاصرة، في محاولة منها للملمة أشلاء العيد وصناعة البهجة المتاحة قدر الإمكان، ولو كانت من خلال مشط ومقص.

وقفت طويلاً عند الخبر، فاختراع الفرح، ولو بعيّنات بسيطة، لايزال ممكناً، رغم تمدّد صحراء المآسي على الابتسامات المرتجفة، والجلوس أمام المرآة في صالون الحلاقة صار فرصة نادرة في أجواء الحصار والخوف والدمار لتفقّد ما ضاع أو شاخ أو كبر من التقاسيم.

قلتُ لكثرة ما سيطرت السياسة على الحياة: صرنا نرى كل ما حولنا سياسة، جاري الخباز صرت أتخيله كيري، وصاحب بناشر الأمل «روحاني»، ومعلم كافتيريا الشباب لافروف، وكل زبائنهم مجرد شعوب تسعى إلى رزقها، لذلك لم أستطع أن أربط خبر «الحلاقة» الخيرية إلا بخبر الحلاقة السياسية.

ليلة العيد تمت الحلاقة لـ3000 طفل في الغوطة، وقبلها بأيام تمت الحلاقة المجانية لأكثر من 300 مليون عربي في فيينا، بعد اتفاق أميركي ــ إيراني حول البرنامج النووي الإيراني.. لقد أجلسونا بشكل جماعي على كرسي «الصمت» لنواجه موقفنا أمام مرآة التحالفات الجديدة، لفّوا حبل «المنشفة» حول أعناقنا من دون نقاش، وتركونا لا نملك أي خيار للاعتراض. من جلس طواعية على هذا الكرسي في هذه المرحلة عليه أن يميل رأسه كيفما يحركه إصبع الحلاق، وعليه أن يخضع لأوامر الالتفات وزوايا النظر وخفض الرأس الذي يختاره «المزيّن» كلما أراد «التنعيم».

بعد اتفاق «فيينا» صرنا تحت رحمة «المشط الإيراني» و«المقص الأميركي» ولا قرار لنا في اختيار التسريحة.

نعيماً يا عرب..

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر