حسن الظن بالله
من مقتضيات الإيمان بالله عز وجل حسنُ الظن به سبحانه، بأن يظن العبد بربه خيراً، فيعبده وهو يحسن الظن بالقبول، ويأخذ الأسباب بالأعمال وهو يحسن الظن بأخذ النتائج، ويقدم على ربه وهو يحسن ظنه بعفوه ومغفرته ورحمته؛ لأنه غني عن عذاب عبده، وغير محتاج لعبادته، إنما كانت امتثالاً لأمره ونهيه، وهو سبحانه غني عن العالمين.
«إن حسن الظن بالله من حسن العبادة، كما ورد، ولا يكون حسن الظن إلا مع العمل الذي يرضيه سبحانه». |
وأوجبُ ما يكون حسن الظن بالله حينما يشعر المرء بدنو أجله وقرب لقائه بربه، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل موته بثلاثة أيام: «لا يموتنَّ أحدُكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل» لئلا يقدم العبد على ربه بسوء الظن فيكون ذلك، كما قال الحق سبحانه في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي، فليظنَّ بي ما شاء»، وفي هذا يقول ابن القيم في مدارجه: «وكلما كان العبد حسن الظن بالله، حسن الرجاء له، صادق التوكل عليه، فإن الله لا يخيب أمله فيه البَتَّة، فإنه سبحانه لا يخيب أمل آمل، ولا يضيع عمل عامل».
فما أحوجنا إذاً لحسن ظننا بربنا بكل ما يتصف به من كمال، فيفيض بكمالاته على عباده كرماً وسعة، عافية وعفواً، مغفرة ورحمة، أمناً وإيماناً، إن هم أحسنوا الظن به والتوكل عليه، وكل ذلك من كمال الإيمان به سبحانه، وحسن العبادة، فإن حسن الظن بالله من حسن العبادة، كما ورد، ولا يكون حسن الظن إلا مع العمل الذي يرضيه سبحانه، وإلا كان ظناً كاذباً كما قال الحسن البصري رحمه الله: «إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم حسنة، يقول: إني لحسَنُ الظن بربي، وكذب لو أحسن الظن بربه لأحسن العمل».
ونحتاج لحسن الظن بربنا في أحوالنا الدنيوية كما نحتاجه لأمورنا الدينية، فلا يحملنا ما نراه في عالمنا من مكدرات على أنْ نَيأس أن تأتي بعد هذه السنين العجاف بأرزائها؛ أعوام مليئة بالسعادة، والأمن والأمان للأمة العربية والإسلامية، لا نيأس أن يبدل الله خوف الناس أمناً، وتفرّقهم ألفة، وبغضاءهم محبة، وجدبهم خصباً، ما دمنا نحيي في نفوسهم حسن الظن بالله تعالى الذي خلق هذه المكدرات بما كسبته أيدي العباد، وقد عفا عن كثير، وما دام في الأمة أناس يدعون إلى الخير وبه يعملون، وينهون عن السوء وله يجتنبون، وما دام في الأمة أولو بقية من ولاة الأمر الكرام الذين ينصرون المظلوم، ويأخذون على يد الظالم، فيأطرونه على الحق أطرا، فاللهم وفقنا لحسن الظن بك وبأقدارك وبعبادك، وحسن العمل.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .