﴿هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ﴾

حاجة الرجل والمرأة إلى بعضهما بعضاً محسومة من لدن رب العالمين، كما في قوله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾، إلا أنه مع متغيرات العصر، وظهور مروجي الأفكار المبتدعة، التي زرعت التكبر في نفوس رجال ونساء، صار كل طرف يتكبر على الآخر، ما أخلّ بالتوازن الفطري بين الطرفين، وبرزت تالياً ظواهر اجتماعية قبيحة تهدد توازن المجتمع ككل، فعلى سبيل المثال، هناك بيوت أوهنها تراخي الزوج عن واجباته تجاه زوجته، خشية اتهامه من قبل أصدقائه وأهله بتلك العبارة المحلية: «شوره عند حرمته». في المقابل، اعتنقت الزوجة بسبب إهمال زوجها، ومخاوفها من المستقبل، فكرة صنعتها وجمّلتها منابر العصر الضالة، فسعت للطلاق من مبدأ: «أقدر أعيش بلا ريال».

إننا بحاجة لردم منابع الخلل، كي نعيد التوازن الذي يرضاه الله بين الرجال والنساء، ونعالج اتساع الفجوات في الفكر الذي من المفترض به أن ينظم العلاقة، ويهذب السلوك، ويجتث التفاهات التي اعتادها البعض فتحولت إلى علل.

وأول منبع للخلل هو سلوكياتنا واستهتار بعضنا بالآخر، ذكوراً وإناثاً، ولا يقتصر الحديث هنا على الزوجين، وإهمال أحدهما للآخر، أو عدم احترامه، وإنما ينسحب على علاقة كل رجل بأنثى، والعكس صحيح.

كلنا يتذكر تلك التقاذفات التافهة الشعواء: «الركب السود - وأبو وزار وفانيلة»، التي أطلقها الشباب والفتيات استهتاراً ببعضهم بعضاً، متناسين أن ذلك يضرّ بهم وبأهاليهم.

بدأت القصة كمزحة إلا أنها تمادت، ولم تخرج عن حدود الأدب فقط، وإنما خرجت بمساعدة قنوات التواصل الاجتماعي عن حدود الخليج العربي؛ فتلقفتها ألسن من ثقافات مختلفة، فتحدثت بما يسؤونا جميعاً، ولم يكن حديثها مزاحاً بل كان سخرية وإهانات لمجتمعنا صنعتها تفاهات شبابنا وفتياتنا.

عندما يتراجع الاحترام المتبادل بين الذكر والأنثى، وتضعف الغيرة على المجتمع، تطفو على السطح تصرفات مستهترة كهذه، تؤثر في الثقة، وتنقلب الأكاذيب التي صيغت كمزاح إلى قناعات لدى البعض تجعل منهم أفراداً سلبيين تجاه من حولهم.

المنبع الثاني للخلل في علاقة الذكر بالأنثى هو النظريات والمواعظ السلبية لدى بعض الأفواه التي لا ترتبط لا بالدين ولا بالعادات والتقاليد، ولا أنسى ما سمعته في حديث دار بين واعظ ديني وامرأة عندما اشتكت له قائلة: «زوجي ينظر كثيراً للنساء»، فرد عليها مباشرة: «اطلبي الطلاق هو لا يحترمك»! ألم يكن من الأولى أن ينصحها بأن تناصح زوجها باحترام؟!

أما المنبع الثالث للخلل فهو الطبيعة السيئة لدى بعض الرجال، فهم يظنون بجهلهم ومشاعرهم المتحجرة أن الأنثى «مخلوق مُخزٍ»، معتنقين بذلك عادات الجاهلية الأولى، ومع أن هذه الفئة قليلة إلا أن طبيعة الفرد منها تؤذي الكثير حوله. في معظم الأحيان من يظلم المرأة هو الرجل، وغالباً ما تبحث المرأة عن رجل يدافع عنها وتحتمي به، ولا يلقي الرجل بنفسه عندما تؤلمه الدنيا إلا في حضن أنثى، غالباً ما تكون أمه أو زوجته.

ولنا في آيات القرآن الكريم أدلة دامغة على ضرورة التفاهم والحوار بين الرجل والمرأة، وتمييز رباني لدور المرأة الأم والأخت والزوجة، فوصف سبحانه عناء الأم في حملها في آيات عدة، وساق لنا قصة أم موسى عليه السلام كمثال لطبيعة خوف الأمهات على أبنائهن، وتقدير الله سبحانه قبل عباده لهذا الدور عندما قال: ﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾، ووصف لنا الله سبحانه العلاقة التي خلق لأجلها الإنسان ذكراً وأنثى في آية موجزة ومعبّرة: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾.

إننا بحاجة لاستعادة عادات أصيلة في مجتمعنا كانت من أسباب الاحترام المتبادل، وصورة من صور الاهتمام أوشكت على الاندثار تماماً، خصوصاً لدى الشباب، فكم كان جميلاً ذلك المنظر عندما كان الشاب يصحب أخواته وأمه أو زوجته إلى السوق لقضاء حوائجهن ويقف معهن ليحميهن ويوفر لهن الطمأنينة.

نعلم أن العصر تغير، ولكن من المجدي أن نمارسها بين حين وآخر كبادرة جميلة ستفتخر بها أمهاتنا وأخواتنا ونساؤنا وبناتنا.

أخيراً..

خلقنا الله ذكوراً وإناثاً متساوين في الخصائص الإنسانية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ﴾، ولا يختلف الرجل عن المرأة إلا في التكوين التخصصي.. ومن اختصاصاته المتميزة حماية الأنثى وصونها، وتأمين العيش الكريم لها ولأبنائه.

فلنحترم نحن الذكور هذا الاختصاص ولا نتهاون فيه، فالتهاون فيه هو السبب الرئيس لاختلال العلاقة بين الذكر والأنثى، وظهور المنابع التي تغذي هذا الخلل وتؤجّجه.

saeed@uae.net

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة