مزاح.. ورماح
شاشة العمر..!
ما الذي يجعل ذاكرة الجماهير قصيرة جداً، بحيث لم تعد تتسع لصورتي ذكرى أو مقطع قصير من الوفاء.. هل تغير تعلّق الجماهير بمحبوبيهم من الفنانين والمشاهير..؟ سؤال يحيّرني كلما رأيت المئات وربما الآلاف، ممن يلتفون حول المشهور أو الفنان، فقط لالتقاط صورة تذكارية معه، أو السلام عليه، أو إلقاء كلمات الإعجاب بحضرته.. وعند الرحيل الأخير عن الدنيا، لا يشارك في تشييعه سوى العشرات، تُرى أين تتبخر الجماهير عندما يرتدي محبوبهم «الأبيض» الخالد؟!
أذكر أن مشهد وفاة بطل المسلسل في الثمانينات حصد من دموع الأمهات وربات البيوت والقواعد من النساء، أكثر من الدموع الحقيقية التي حصدها عند وفاته الحقيقية، وأن مجموع «المحارم» المستخدمة لتجفيف الدموع في الحلقة 15، كانت أكثر بكثير من المحارم المستخدمة في الحلقة الأخيرة من عمر الفنان، عندما بث خبر وفاته.
**
لايزال الحديث يدور حول قلة المشاركين في تشييع نجوم كبار، خدموا الفن والسينما العربية، فمثلاً جنازة الراحل عمر الشريف لم يشارك فيها سوى بعض الأشخاص على عدد الأصابع، رغم ان شهرته العالمية غطّت الدنيا، ولو أحصي عدد محبيه لوصلوا إلى الملايين، كذلك جنازة الفنان حسن مصطفى، والفنان سعيد صالح، اللتين لم يحضرهما حتى أقرب أصدقائهما.. حتى تشييع الراحل نور الشريف لم يكن بحجم المتوقع، الأمر الذي يستحق البحث، لماذا أصبح عُمر الإعجاب الفني قصير المدى؟ لِمَ أصبح الوفاء مثل طبقة السكّر فوق «العلكة»، ما إن تنتهي حلاوتها حتى تلفظ خارجاً؟
**
يذكر أنه عندما رحل عبدالحليم حافظ في السبعينات، شيع جنازته عشرات الآلاف من مستمعيه، ووقعت حوادث انتحار، حزناً على الراحل الكبير، ومثله أم كلثوم وأسمهان وغيرهم، لِمَ كل هذا الوفاء في السابق؟ ولِمَ تغير الآن؟! لا جواب لديَّ، ربما لأنه في تلك الفترة كان الجمهور متعلقاً بـ«الرمز» بشكل كبير، كان يحس بأن فقدانه يعني له خسارة شخصية، سواء كان هذا الرمز «زعيماً»، أو «مطرباً»، أو «ممثلاً»، أو «لاعب كرة قدم».. الأمر اختلف الآن.. الخيبات لم تُبق للرموز مكانة في عروش الاقتداء، أصبح «الرحيل والإنجاز والنصر والانتخاب والخسارة والتحرير والاغتصاب مسلسلاً عربياً».. مجموعة مشاهد درامية غير مؤثرة»، وبالتالي أصبحت العلاقة «ريموتية» بامتياز، يموت الزعيم، يغيّر الشعب «الريموت» على زعيم جديد.. يموت الفنان يغير الجمهور «الريموت» على فنان جديد.. يموت الكاتب يغير الجمهور «الريموت» على كاتب جديد.. شاشة العمر ثابتة، والشخوص ليسوا أكثر من وجوه في مشاهد، وأدوار في حلقات.
باختصار في السابق كان الجمهور يعتقد أن المسلسل مجرد «حقيقة».
أما الآن فيعتقد أن الحقيقة «مجرد مسلسل»..
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .