مزاح.. ورماح
سقوط «الغضب»..
الظلم المتفجّر من قلوب المهجّرين، يتناثر على شكل قصاصات رسائل ومناشير آلام تطير على جناح الريح فوق الأسلاك الشائكة، وخفر السواحل، وأبراج المراقبة، وسلاسل الجبال الفاصلة بين شعبين موحّدين في اللسان والدم واللون ومواعيد النوم، يقولون إن لكل صورة حكاية، وأنا أقول لكل حكاية سورية صورة وصلت إلى أعين المغمضين قلوبهم لتقول لهم هذا الشعب دفع ضريبة الحياة عن سكان الكرة الأرضية جمعاء ولـ100 سنة ضوئية قادمة، فبعد مأساة الموت في شاحنة اللحوم المجمّدة التي طالت 70 لاجئاً سورياً، حيث اتخذوا من شاحنة «نمساوية» وطناً مؤقتاً لهم، لكنهم ماتوا قبل أن تفتح لهم بوابة الوطن المتحرّك، ومروراً بالرسالة البشرية «إيلان» الملقاة في زجاجة الهروب، التي وجدت ملقاة على سواحل تركيا، وانتهاء بعرقلة المصوّرة الهنغارية لمدرب كرة قدم سوري، وإسقاطه عمداً على الأرض هو وطفله لتتمكن الشرطة من إلقاء القبض عليهما، كلها رسائل وجعٍ مضرّجة بالذلّ العربي.
**
على الحدود الهنغارية حمل «أسامة عبدالمحسن الغضب» ابنه بين يديه وهرب مع جموع اللاجئين في محاولة للنجاة بالعيش والأبناء، في محاولة للركض نحو السلام والشمس التي لا تشطرها طائرات النظام إلى نصفين، ولا الغيوم المكوّنة من دخان الحرائق وغبار البيوت المهدمة، الركض نحو بقعة أرضية ليس فيها من يدقّ بابه آخر الليل يفتّش غرفة نومه أو يجبره على الهتاف للنظام، الركض من العمائم الكثيرة التي احتلّت وطنه دون أن يعرف ما هي الزاوية الهندسية التي سيختارها لقبلة الصلاة، أسامة الغضب ركض بطفله وعائلته، ليصبح أباً حقيقياً يتكلم لأولاده عن الشجاعة ويمارسها، عن الفضيلة ويمارسها، عن الحرية ويمارسها، عن الأبوة ويمارسها، يحضر لهم ألعاباً وفاكهة صيفية آخر الليل، ويحضر معهم أفلام الكرتون ويراجع دروس الحساب، أسامة الغضب آثر الهرب على أن يبقى كائناً حياً يأكل ويشرب وينام في وكر الذل أو جراب العار.
ثمة مفارقات مؤلمة في المشاهد التي تصلنا يومياً مع أفواج اللاجئين الذين «يفتحون» أوروبا من بابها الخلفي.. «أسامة الغضب» مدرّب نادي «الفتوّة»، حيث كان يعطي تعليمات للاعبيه طوال العمر أن الإسقاط المتعمّد قد يتسبب في بطاقة «حمراء»، وإذا ما كان من مكان قريب من «حدود» الهدف، قد يتسبب الإسقاط في خسارة، فتدور به الأيام، ليسقط هو نفسه بقدم «المتفرّج» على «حدود» الهدف، ويتقمّص اللاعب السياسي دور «الحكم» الدولي، ويقول: «مشي اللعب»، كلها مفارقات تضاف إلى سجل المفارقات المبكية، منذ السيجارة الأولى المطفأة في جسد الطفل حمزة الخطيب إلى سقوط المدرّب الحر.
على حدود اللجوء: يصبح «الغضب» رجاء، و«الفتوة» ضعفاً، و«العرقلة» بطاقة خضراء للدخول.
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .