5 دقائق

أنا أعتني إذاً أنا إنسان

الدكتور علاء جراد

لن أتحدث عن صورة الطفل السوري التي فطرت قلب كل من لديه إحساس، فقد تحدث عنها مئات الملايين، لكنني سأتحدث عن مفهوم العناية، أو الاهتمام الذي هو باللغة الإنجليزية Caring، إذ يبدو أن هذه الكلمة أصبحت خاوية المعنى في لغتنا، ولم يعد أحد يلقي لها بالاً على ما يبدو. لقد أجريت بحثاً بسيطاً في مناهج المرحلة الابتدائية، لعلّي أجد أي مادة أو أي جزء من مادة مخصص لشرح مفهوم العناية أو الاهتمام بالآخرين فلم أجد.

«نضيّع فرصة عظيمة جداً لن تتكرر، هي غرس القيم والأخلاق الحميدة في نفوس أطفالنا منذ نشأتهم».

الحقيقة أننا نضيّع فرصة عظيمة جداً لن تتكرر، هي غرس القيم والأخلاق الحميدة في نفوس أطفالنا منذ نشأتهم، فكما قيل التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، نضيع على أطفالنا تعلم ما يجب أن يتعلموه في هذه المرحلة المهمة والحيوية من حياتهم، وهي المرحلة الابتدائية، لقد استطاعت دول كثيرة اقتناص هذه الفرصة الذهبية، لتعليم أطفالها وغرس القيم المهمة التي أولاها العناية، ثم الإيثار، والشجاعة، والمواطنة، وروح الفريق، والتعلم، والاحترام وتحمل المسؤولية، والقائمة طويلة، هذه القيم يتم تعليمها للأطفال من خلال برامج شيقة وممتعة، وليست مناهج عقيمة جافة، يقوم بتدريسها أنصاف متعلمين. أتمنى من المهتمين أن يطلعوا على هذا الموقع الإلكتروني لمزيد من التفاصيل www.charactercounts.org، في هذا الموقع العديد من النماذج وقصص النجاح والأساليب الحديثة، ومن النماذج الموجودة نموذج «الستة أعمدة» لبناء الشخصية لدى الطفل، وأول هذه الأعمدة «العناية» والتي لا تقتصر على الإنسان، بل تمتد لكل المخلوقات وكل ما حولنا، إن الإنسان الذي يشعر بالآخرين ويهتم بهم وبأحزانهم ومعاناتهم، هو بالفعل إنسان يعرف معاني الرحمة والعطف والتعاون والتسامح، ويعرف معنى العطاء ومتعته، فالعطاء يسعد من يقوم به أيضاً، ويعكس نضجاً فكرياً ومعنوياً وأخلاقياً، ويقود إلى الشعور الأسمى وهو إنكار الذات والبعد عن الأنانية والإغراق في الذات، فالإنسان الذي لم يتربَّ على الاهتمام بالآخرين بل تربى على أنه محور الكون يتعامل مع الناس بفوقية وعجرفة، ويعتقد دائماً أن الجميع مجرد أدوات مسخرة لخدمته، ولا يرى سوى نفسه بداية من الأفعال البسيطة جداً، وانتهاء بالقضايا الجوهرية.

هل نبدأ الآن ونظهر بعض الاهتمام الحقيقي بالآخرين، يمكن أن نحيي رجل الأمن أو عامل النظافة عندما ندخل مكاناً عاماً، أو نساعد طالباً محتاجاً أو أسرة تعاني، يمكن أن نبتسم لمن نلقاهم أياً كانت وظيفتهم أو سنهم، أو نتصل بشخص نعرفه لنطمئن عليه.. إن هذه التصرفات البسيطة تعني الكثير جداً للآخرين، وقد يغير تصرف بسيط مسار حياة إنسان.

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر