مزاح.. ورماح

من سيرفع الرافعة؟

أحمد حسن الزعبي

لا شيء يدهشني سوى القدرة التحليلية العالية التي يتمتع بها العرب، ومهارتهم في القفز على الاختصاصات فور سماع خبر أو وقوع واقعة.. ولا يقف البعض عند طرح وجهة نظره وحسب، لا بل يحاول جاهداً أن يقنعك بصحة ما يقول بالرسوم التوضيحية.

حتى ظهر اليوم الأول من العيد، وأثناء جولتي على الجيران والأقارب، سمعت على الأقل عشرة تحليلات لسقوط الرافعة.. قال أحدهم وهو متكئ على وسادتين ورجله اليمنى تتعامد مع اليسرى مثل رقم «4» بـ«الإنجليزي»: «كان ما لازم يخلوا رأس الرافعة إلى الغرب.. لأن الهواء غربي وساعد في السقوط».. طبعاً لا أدري من أين أتى الحاج بهذه النظرية الفيزيائية، وكيف عرف أن الهواء في ذلك اليوم كان غربياً، والأغرب من ذلك كله كيف عرف أن رأس الرافعة موجه للغرب، وهو لم يشاهد السقوط أصلاً؟! شخص ثانٍ علل سقوط الرافعة بطريقة هندسية، قائلاً: كانت مرتفعة بزاوية «135»، وحسب وجهة نظره لو كانت بزاوية «90» لما حصل الذي حصل، ثم أخرج القلم من جيبه ووضعه على «الريموت كنترول» وبدأ يشرح كيف يكون بالوضعية الأولى بينما الصواب بالوضعية الثانية.. هذا الشخص تحديداً أنا من حسب معدل ابنه في المدرسة قبل سنتين بعد أن فشل في جمع علامات المواد وتقسيمها على عددها.. شخص ثالث قال إن سبب السقوط هو 100% تعطل نظام «الهيدروليك» في الرافعة.. للعلم صاحب نظرية «الهيدروليك» مؤذن متبرّع في أحد المساجد النائية.. أما التحليل الأسهل الذي نطق به أحد الجالسين عندما قال وبصوت لا يخلو من التشكيك: «سقوط الرافعة بفعل فاعل».. وليته اكتفى الأخ بهذا الغموض والتحليل الذي وصل إليه، لا بل علّل ذلك قائلاً: «شو الرافعة؟..كل رأسمالها برغي»!!

قلت إن نظريات سقوط الرافعة ظلت مستمرة حتى ظهر العيد، لأنه بعد زوال اليوم الأول وبعد وقوع حادث «التدافع» برزت نظريات جديدة لتفسير وقوع حادثة التدافع، قبل أن يعرف أين ومتى وكيف حصل.. قال الأول وهو يرسم بأصبعه على كفه: «هون الجسر.. هون الشارع.. هاي النقطة يلتقي فيها الذاهب إلى رفع الجمار والعائد من الرمي.. لابد من فتح مسرب ثالث»، وأشار إلى أصبعه الخنصر حتى يخف الازدحام، بينما صححه الثاني قائلاً: لا لا.. الازدحام يأتي من الفتحات الجانبية يجب إغلاقها، بينما أخرج آخر «محفظته» و«باكيت الدخان»، وخلع ساعته ووضعها بين المحفظة والباكيت ليشرح كيف حصل التدافع.. آخر المتحدثين قال بصوت لا يخلو من التشكيك: «التدافع بفعل فاعل».. وليته اكتفى بهذا الغموض والتحليل والقناعة التي وصل إليها، لا بل علل ذلك قائلاً: «شو التدافع؟ كل رأسمالها باب!».

الغريب أنك بعد أن تستمع إلى تحليلات لم تكن لتخطر على بالك يوماً.. تكتشف أن العرب قادرون على الخروج بألف نظرية لسقوط الرافعة، لكن غير قادرين على إيجاد آلية واحدة لرفع الرافعة من جديد!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر