نسعى إليها ونهرب منها!
العنوان ليس لغزاً من فوازير رمضان، إنما هو واقع نعيشه في حياتنا، فمنذ نعومة أظفارنا وحتى وفاتنا، تتملكنا الرغبة في السيطرة والوصول والتملك، لأننا نرى أننا نستحق ذلك الموقع أو المنصب أو نستحق ذلك الملك، إلا أننا في لحظة مساءلة الضمير، أو المساءلة من المجتمع أو المؤسسة، نحاول التملص من «المسؤولية»، التي جلبتها لنا رغباتنا في السيطرة والتملك.
هي حقيقة بشرية، فعندما نشأنا أطفالاً كنا «نقلب الدنيا»، كي نحصل على لعبة معينة، وعندما يستجيب الأهل لرغبتنا ويملكوننا تلك اللعبة، نتعامل معها بإهمال، وبمجرد أن تنكسر أو تتعطل، نتملص من مسؤوليتنا عن ذلك، ونلقي باللوم على ذلك الأخ المغلوب على أمره في العائلة، ونعلق في رقبته مسؤولية ما أهملناه!
• يخلد التاريخ أسماء عظماء تحملوا مسؤولياتهم، فأورثوا الخير لمجتمعاتهم، ولن نجد مثالاً أعظم من سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم. |
نكبر ونتخطى مرحلتَي الدراسة الأساسية والمتوسطة إلى الثانوية، ثم نتجاهل كل النصائح حول التخصص الجامعي المناسب في سوق العمل، والمناسب لقدراتنا الذهنية، ونُصرّ على اختيار تخصص محدد، ثم عندما نفشل فيه، أو نتخرج ولا نجد وظيفة نلقي باللوم مباشرة على أساتذة الجامعة، وعلى المؤسسات الوطنية، وعلى الأهل والمسؤولين، ونتملص من أيِّ مسؤولية تتعلق بسوء اختيارنا، أو بسوء درجاتنا وضعف تحصيلنا!ندخل سوق العمل بعد جملة من المحاولات كي نحصل على وظيفة مرموقة، بعدها نجاهد بكل السبل كي نصل إلى وظيفة أعلى، تارة بالمحاباة، وتارة بالمكائد، وأحياناً باقتناص الفرص عندما تعصف الأقدار بالآخرين، وعندما نجلس على كرسي الوظيفة ذات المسؤوليات والأعباء، لا نعبأ بمسؤولية ولا نتحمل عبئاً، ونبدأ قدر الإمكان إيجاد «فدائيين» من الموظفين حولنا، لنعلق في رقابهم أيَّ مسؤولية عن أي خلل ينتج بسبب سوء إدارتنا، وضعف إدراكنا لاحتياجات العمل ورضا المجتمع، فبمجرد حصول المشكلة لا نتوانى عن الدفع بأحد هؤلاء الموظفين الفدائيين ليلقى مصيره، ولن يؤسفنا أبداً أن نسهم في إيذائه وحرمانه من حقوقه، كي نؤكد للجميع أنه هو المخطئ، وأننا قمنا بـ«مسؤوليتنا» المهمة تجاه عقابه!
نعم، مسؤولية العقاب والمحاسبة والقهر وإيجاد عقوبات جديدة لم تأتِ بها قوانين الخدمة المدنية، لنطبقها على الموظفين «الفدائيين»، هذه المسؤولية التي «نحبها»، لأنها جزء من الرغبة العارمة لدينا في التملك وإبقاء الأمور تحت السيطرة؛ أما أن نتحمل نحن مسؤولية أخطاء الموظفين الذين يعملون تحت إمرتنا، فذلك «محال» حتى لو كانت أخطاؤهم بسبب تقصيرنا نحن!
كثيرة هي أمثلة وأشكال الهروب من «المسؤولية»، فمنا من يهرب من مسؤوليات وظيفية، ومنا من يهرب من مسؤوليات مجتمعية عامة، أو أن يهرب بعضنا من مسؤوليات عائلية، ولن يتيقن أحدنا بأهمية هذه المسؤوليات وكونها «نعمة» إلا بعد حدوث كارثة أو حادثة مؤلمة!
أخيراً..
يخلد التاريخ أسماء عظماء تحملوا مسؤولياتهم، فأورثوا الخير لمجتمعاتهم، ولن نجد مثالاً أعظم من سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وتحمله مسؤولية الدعوة العظيمة بكل متطلباتها وعقباتها وعواقبها، فترك فينا ما إن اتبعناه لن نضل بعده أبداً.
كما يخلد التاريخ مواقف مخجلة لأسماء تاريخية، تنصلت من مسؤولياتها ولايزال الخزي والعار يلاحقان مجتمعاتهم، وكتب التاريخ مليئة بقصصهم، فلنكن عظماء نورّث الخير للمجتمع، قدوتنا سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
saeed@uae.net
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .