مزاح.. ورماح

«استر ما واجهت..!»

عبدالله الشويخ

الناس في ما يسليهم ويمتعهم مذاهب.. فئة لا تتحقق لها اللذة القصوى في التجربة إلا إذا كانت على انفراد، تجربة وجبة جديدة، مشاهدة فيلم عميق، رحلة للتأمل وتجديد الذات، قيادة هادئة في الصحراء؛ وصنف آخر - أحسب نفسي منهم - يحب العيش ضمن قطيع من البشر، فلا لذة لمشاهدة الفيلم دون أن تمد يديك في سطل بوب كورن لأحدهم، وتضع رجليك على ظهر آخر، تخاف السفر منفرداً لأنك لا تريد نهاية على يد مخمور في شارع خلفي في دولة أوروبية شرقية، لا تفهم جمال أن يذهب أحدهم إلى الصحراء وحيداً، ماذا عن البتة؟ هل سمعتم عن وحيد يلعب البتة؟ ربما في بهله..؟

أثناء دردشة ودية مع إحدى الخبيرات في هذا المجال طرحت أفكاري القطيعية؛ ففاجأتني بأنه ثبت علمياً بأن الذي لا يستمتع ببعض الوقت لمفرده لديه مشكلة في الثقة بالنفس، ولا يحب ذاته! ومن لا يحب ذاته لن يحب الآخرين، بالطبع ملأني الرعب من هذا الأمر، فقررت زيارة معرض الكتاب بمفردي، الحق أن التجربة تستحق الخوض! إن كان يمكن أن يطلق على مشواري هناك كلمة (بمفردي)!

بالطبع لم ولن أكرر هذا الأمر حتى وإن اكتشفت أنني لا أحب نفسي، ولن أستطيع منحكم الحب الذي تستحقونه، أعتذر، ولكن المشي وحيداً أمر - فعلاً - صعب في مجتمعاتنا وفي نمط حياتنا.

إذا طبّقنا هذه النظرية فأعتقد بأن الشعوب العربية هي أكثر الشعوب كرهاً لذاتها؛ لأن جميع أنشطتنا من الطهور إلى الدفن هي أنشطة جماعية.. يمكنك قياس ذلك بعدد الهرنات التي تسمعها أسبوعياً أمام منزلك، بيب بيب رايحين النادي.. بيب بيب سايرين البر.. بيب بيب سينما.. بيب بيب معرض.. تصل الحماقة بالبعض إلى درجة بيب بيب أنا مواعد.. حسناً وما دوري أنا؟

سأوصلك إلى مكان ما ثم أعود لالتقاطك في ما بعد!

هذا ما نمثله في بعض الأحيان.. سأخرج لألتقط هاتفي، ونظارتي، والمسباح، وعلبة السجائر، وصديق أو اثنين ثم أغادر..!

هو فقط ذلك المشوار السري الذي تعرفونه، والذي يصر كل واحد من الزملاء سيئي السمعة المذكورين أعلاه ألا يذهب إليه إلا منفرداً، أمر مثير فعلاً، فزميلك الذي لا يجد غضاضة في أن تذهب معه إلى البنك وتستمع إلى أدق أسراره المالية، وتذهب معه إلى طبيبه النفسي الذي يحتاج طبيباً نفسياً يحتاج بدوره إلى مثله، ويصرّح بكل عُقد طفولته أمامك.. وتذهب معه إلى (جوردانو) وتعرف مقاس ملابسه الداخلية.. يحاول زحلقتك في هذا المشوار.. هل عرفتموه؟!

إنه مشوار فحص الـDNA، وإن حدث وأقنعته بالذهاب فسيقول لك قبل إجراء الفحص: استر ما واجهت!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر