5 دقائق
اليوم الوطني والشعب الوطني
تتزاحم المناسبات السعيدة للشعب السعيد، وكل مناسبة تدلي بحجتها أنها أولى بالاحتفاء والاحتفال، والشعور بالفخر والاعتزاز، فمن أسبوع الابتكار، إلى يوم الشهيد، إلى اليوم الوطني، إلى غير ذلك مما يسر الخاطر ويعجب الناظر، فالشعب الإماراتي يفخر كل يوم بمنجزات، وكل شهر يزخر بمناسبات، وذلك فضل الله عليه، وقد تلقى هذا الفضل بشكر، كما حافظ عليه بعقل وعلم وحكمة.
• الحقيقة أن الشعب الإماراتي يعيش اليوم الوطني السنة كلها، فهو لا يغفل عن ذكراه، فيترحم على المؤسسين السالفين، ويشيد بالحامين الخالفين. |
ولا ريب أن اليوم الوطني الموافق للثاني من ديسمبر هو الملهم لهذه المنجزات، فإنه لولا ذلك الإنجاز العظيم بتحقيق حلم أبناء الإمارات المتصالحة لأن تكون إمارات واحدة متكاملة متماسكة متشابكة كتشابك الماء في العود الأخضر؛ لولا هذا اليوم المبارك السعيد لم يتحقق الكثير من هذه الإنجازات؛ لأن ما يقدر عليه الجمع لا يقدر عليه المفرد، ومن أجل ذلك فرض الله أن تكون هذه الأمة الإسلامية واحدة لا تقبل التجزئة، وجعل الوحدة أساساً للبناء والقوة {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا}، {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.
إن اليوم الذي قام فيه الاتحاد الإماراتي بهمة وحكمة رجال أفذاذ مثل الشيخ زايد والشيخ راشد وإخوانهما حكام الإمارات هو يوم مشهود، سجله التاريخ بأحرف نورانية ساطعة، يقرؤه الشعب الإماراتي وشعوب المنطقة والعالم جيلاً بعد جيل، يقرؤه الصالحون فيعرفون أن الرجال الأخيار هم متواجدون في ساحة اليوم، كما كانوا في الأمس، وهم الذين يحمون ما صنعه الآباء من شيوخ وشعب، ويقولون بلسان حالهم:
لسنا وإن كنا ذوي حسبٍ ... يوماً على الأحساب نتكلُ
نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا
ويقرؤه الزعماء الذين لهم همم في توحيد الشعوب المتقاربة والمتجاورة فيقولون بلسان حالهم ومقالهم:
ذي المعالي فلْيعلونْ من تعالى ... هكذا هكذا وإلا فلا لا
وتقرؤه الأجيال فتقول:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المحافلُ
وهكذا كلما تجددت ذكرى توحيد الإمارات تحت رايةٍ ورئيسٍ ودستورٍ ونظامٍ واحد يدرك المرء أن هذه النعمة فريدة في عالم اليوم، فيزداد حمداً لله وشكراً على التوفيق لها، ويزداد اغتباطاً بها وحرصاً عليها، بحيث يجود من أجلها بالنفس والنفيس؛ لأنها سبب الرقي والحضارة والقوة والفخار، فضلاً عن الأمن الضارب أطنابه في ربوعها، والذي لا يوجد له نظير في عالم اليوم.
إن تذكر نعمة الله تعالى القديمة المتجددة بالفرح والشكر هو ما أذن به الله تعالى بقوله: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾، وهو يحمل على الثبات على النعم والحرص على الازدياد منها كما بشر به الحق بقوله سبحانه: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
والحقيقة أن الشعب الإماراتي يعيش اليوم الوطني السنة كلها، فهو لا يغفل عن ذكراه، فيترحم على المؤسسين السالفين، ويشيد بالحامين الخالفين، ويعتز بماضيه وحاضره، ويحافظ على الموجود وينشد المفقود، فكل أيامه في الحقيقة هي أيام وطنية، ليس بما تم إنجازه من اتحاد، بل كذلك بما يتم إنجازه من تطور حضاري وتقني وعمراني ونظم وقوانين وعدالة وسعادة، فأدم اللهم هذا العز وهذا الفخار لهذه الدار وامنح شعوب العالم مثله.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .