الإسلام المهدّد من الداخل

منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام والإسلام يعيش منيعاً، يمخر في الأرض كما تمخر الطائرة في جو السماء، والسفينة في لُج البحر، لم يقف في وجهه عز عزيز فضلاً عن ذل ذليل، فأنار المشارق والمغارب بفضله قبل عدله، وبيسرٍ كامل من غير عسر، وسماحة من غير ضيق، شهد له بذلك المنصفون من أهل كل ملة وديانة سماوية أو وضعية.

لكنه اليوم يقف متعثراً في الديار التي وصل إليها فاتحاً منوراً، ورافعاً لواء الحضارة، وسبب ذلك بعض من ينسب إليه اسماً دون رسم، وصورة دون معنى، ففعلوا أفاعيل تصد عن سبيل الله، وتنفر عباد الله عن معرفته على الوجه الحقيقي الذي جاء به، وكثير منا يعتقد أن هؤلاء نَبتة خبيثة زرعت في صفوف المسلمين، وسقيت من ماء أعدائه كي يعطوا صورة منفِّرة عنه، وهو اعتقاد صحيح يوافق الحقيقة التي تنتجها أفعالهم الشريرة.

• من الذي أساء إلى اسم الإسلام الذي هو سلام ورحمة وسماحة وعدالة ومحبة؟

نقول ذلك بإنصاف وتجرد، وانظر إلى ما أنتجته أفعالهم ابتداء من أحداث 11 سبتمبر، فكم دولة إسلامية هدمت! وكم مسلم قتل أو اعتقل وذاق أنواع العذاب! وكم مسجد أغلق أو هدم! وكم بيت آمن أخيف! وكم مسافر تعرض للأذى والابتزاز لا لشيء إلا لأنه مسلم حقيقة أو اسماً، فضلاً عن مثل ذلك من الأبرياء من غير المسلمين الذين طالتهم أيادي الغدر وهم برءاء!

وفي الأثر نفسه كم من راغب في الإسلام صُد عنه! وكم من مسلم ارتد أو كاد! وكم من سابٍ لله ورسوله والمؤمنين حتى أنشئت قنوات خاصة تحارب الله ورسوله والمسلمين بكل عنف!

إن المسلمين اليوم لاسيما في البلاد غير الإسلامية يعيشون حالة يُرثى لها، وهم إنما تركوا ديارهم فراراً بدينهم؛ لأن في تلك الديار حكاماً لا يظلم من استجار بهم، أو يبتغون حياة كريمة لهم ولأولادهم وأهليهم، فهم اليوم يتوجسون خيفة من ردود أفعال انتقامية من إرهابيين من الديانات الأخرى أو الشعوبيين الذين لا يريدون أحداً أن يشاطرهم عيشاً فضلاً عن مواطنة، وقد كانوا إلى الأمس القريب يعتبرون تلك الديار أفضل من أوطانهم الأصلية لما وجدوا فيها من عيش رغيد وبلد سعيد، وها هي حدودهم تغلق في أوجه الفارين بأرواحهم، المستجيرين بمن يجيرهم من بطش الشِّبيحة والطغاة، وقد كانت تلك الحدود مُشرَعةً لمن هو أقل حالاً منهم فضلاً عمن فر بجلده.

فمن الذي حملهم على ذلك؟ ومن الذي أساء إلى اسم الإسلام الذي هو سلام ورحمة وسماحة وعدالة ومحبة؟ إنهم أولئك الفجرة الذين يحاربون الله ورسوله والمؤمنين، الذين يعملون على هدم الإسلام وتقويض أركانه فضلاً عن انتشار نوره وهديه، ومن الذي يُفهم غيرنا أن هؤلاء ليسوا مسلمين؛ لأنهم قد كفروا بمبادئه ومناهجه.

إن غيرنا يتحسس عثرة تلصق بالإسلام ليقول لأهله وعشيرته: ألم أنهكم عن الإسلام والتعاطف معه؟! لقد كانت بعض الكنائس قديماً حيث كانت الكنيسة حاكمة تُجرم قراءة القرآن ولا تسمح بذلك إلا للباحثين بإذن خاص ومراقبة، فلما فتح الله عليهم بالديمقراطية، وفتح الناس أعينهم على سماحة الإسلام وعدله وجميل هديه دخل الإسلام ديارهم، فلم يبق بيت إلا وسمع به، فآمن منهم عدد لا بأس به، حتى نشرت التقارير الاستطلاعية أن أوروبا ستكون مسلمة عام 2050، فها هي الآن ستعود إلى القرون الأولى بفعل أولئك المجرمين لا كثرهم الله.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

الأكثر مشاركة