كرسي التحليل
دائماً أحاول تأجيل حلاقة شعري إلى أطول فترة ممكنة حتى أصبح مثل الشخصية الكرتونية «أبوالعريف» في مسلسل طمطم الشهير.. هذا التأخير الذي أقوم به، لا لأنني محصور بالوقت أو أكره الجلوس طويلاً في صالون الحلاقة، أبداً.. ولكن لاطلاع الحلاق الواسع على الأحداث العربية والعالمية، وتحليلاته الشخصية وتوقعاته في التصعيد، وقراءته للمشهد العربي والعالمي، وذلك بفضل الشاشة المسطحة المعلقة فوق مرآة الزبائن وقمر «نايل سات». فالرجل لا يفوّت استديو تحليلي، ولا ما وراء الخبر، ولا برامج سياسية، ولا حوارية، إلا ويتابعها، وبالتالي صار يتكلّم بطريقة مقنعة بشكل كبير، وأحياناً يستخدم المصطلحات نفسها التي يستخدمها المحللون الاستراتيجيون، ويتنهّد بالطريقة نفسها، ويغمض عينيه أثناء الحديث عن المستقبل.
• الحلاق واسع الاطلاع على الأحداث العربية والعالمية، وتحليلاته الشخصية وتوقعاته في التصعيد، وقراءته للمشهد العربي والعالمي، وذلك بفضل الشاشة المسطحة المعلقة فوق مرآة الزبائن وقمر «نايل سات». |
قبل أيام وهو يلف حول رقبتي «مريول» الحلاقة، ويُحكم شدّ الخيوط حول عنقي، كان يتكلّم عن أحوال المنطقة، وعن تداعيات ما يحدث حولنا علينا، ثم تكلّم عن الأطماع الاستعمارية في المنطقة العربية، وبدأ يقص شعري من الخلف وهو يشرح لي عن حزب الله في لبنان وعن حكومة العراق، ليس بإمكاني أن أهزّ رأسي موافقاً أو مخالفاً فهو يثبت رأسي للأسفل.. يجب قطع النفوذ الأجنبي في المنطقة قالها وهو يقطع خصلة من الشعر خلف أذني، ثم أرجع رأسي بيده وأصابعه تدخل في فتحتي المقص، وسألني: ألا تلاحظ تراجع الوجود الأميركي في المنطقة؟ لم أستطع أن أجيبه، خصوصاً أن خيوط المريول تضغط على أحبالي الصوتية، أومأت له بالبؤبؤ بمعنى «نعم»، قال لي: سألت حالك ليش؟ فحركت البؤبؤ يميناً وشمالاً كناية عن «ليش».. فقال لي: أميركا مقبلة على انتخابات رئاسية بعد عام، ولا تريد أن تتورط في حرب هنا أو دعم هناك، ثم أن كل ما يحدث في الشرق الأوسط هو في مصلحتها.. مصلحتها «حرب دينية دينية» يا صديقي. ثم أمسك بقارورة الماء وبدأ يرش على الجزء الجاف من شعري محاولاً «ترطيبه»، وتابع: أعتقد أن إيران سوف تقوم بـ«ترطيب» موقفها مع السعودية ومع العرب بشكل عام.. ليس من مصلحتها معاداة جيرانها العرب.. ثم أمسك شفرة ووضعها في الموس و«حرق» حدّ الشفرة بالولاعة التي كانت في جيبه ثم نفخ عليها للتعقيم، وقال لي: «حرق» القنصلية السعودية لم يكن فعلاً موفقاً.. يجب حماية البعثات الدبلوماسية مهما بلغت الخلافات بين البُلدان، ثم شرع «يحدد» السالف والشارب بالموس.. فلم أستطع أن أجيبه للسبب نفسه، ثم أمسك بالمشط وبدأ يمشط شعري ويقول: صحيح اليوم قوّات الاحتلال الإسرائيلي تقوم بعملية (تمشيط) بحثاً عن مقاومين، ثم حاول أن «يفرق» شعري إلى اليمين وهو يكمل حديثه: أكثر ما يعجبني بالشعب الفلسطيني أنه «مش فارقه معه»..«حلق» لإسرائيل و«القبضة» الأمنية ع الناشف.. ثم تمنى أن «يفرجها الله» على عباده، قالها وهو يفكّ خيوط «المريول» عن رقبتي فتدفق الدم ثانية إلى رأسي ووجهي.
وعندما نظرت إلى رأسي في المرآة من الخلف والجوانب «رأيت الكرة الأرضية» في رأسي «بقاراتها الست» اليابسة «شعر».. والمحيطات «حلاقة».
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .