٥ دقائق

التعامل مع الطريق

يحرص عبدالله على الخروج من بيته الكائن بمدينة خليفة مبكراً، ليكون «على الخط»، كما يقول، عند الساعة 6:15، فيضمن، في العادة، وصوله إلى مقر عمله على كورنيش أبوظبي قبل موعد دوامه الرسمي بعشرين دقيقة. فلسفة عبدالله قائمة على أن الشوارع أثناء هذا الوقت تكون شبه فارغة، والحركة فيها سلسة ويسيرة، لا تحتاج منه إلى أكثر من 25 دقيقة للوصول، وبسرعة لا تتجاوز 100 كيلومتر في الساعة، مع انبلاج الصبح وسكينة المشهد، بينما تنقلب الحال بعد عشر دقائق من ذلك الوقت إلى صور من حلبات السباق المجنونة، والازدحام القاتل، والمسافات الضيّقة، والنفوس الضائقة، ولا يخلو المشهد من حوادث واحتكاكات قد تستدعي سيارات الإسعاف، وقد تجعل من الطريق السريع والفسيح أشبه بنهر آسن، ركدت فيه الحركة، وتعطلت الأسباب إلا من نفخ وتأفف وضغط يشترك فيه أزيز المحركات مع زفرات التأففات.

 

ومع ذلك، يقول عبدالله، إن ذلك «الروقان» وتلك السكينة يقطعها أحياناً نفر من أولئك الذين تعودوا على أن يستفتحوا يومهم «بولعة مدواخ»، تشعل حبال صبرهم، فتحيل مقود السيارة بين أيديهم إلى جمر من نار، تؤجج مكان قعودهم، وتضغط على مراكز أعصابهم، فيتسببون في توتير غيرهم، وربما تعكير أمنهم وأمان الطريق من حولهم.

 

هي ثقافة التعامل مع الطريق، لكن ربما قبلها ثقافة التعامل مع الوقت، وفي كلا الأمرين تحضر البيئة لتكون اللاعب الأول في تشكيل هذه الثقافة، البيئة الاجتماعية أو البيئة الوظيفية أو البيئة التعليمية، أي من هذه وغيرها لاشك في أنها هي الصانع للسلوك. وعبدالله موظف «بترولي» من الطراز القديم، وابن جيل سابق في شكل «مودرن». ولشركات قطاع النفط صورة نمطية مشهودة في تأهيل العاملين فيها، وبيئة وظيفية وإدارية راقية، تلقي بآثارها على شخصية المنتسب إليها، نتمنى أن تتمسك بها وتورثها للأجيال المتعاقبة عليها، لكن في المقابل هناك الآلاف الذين ينتشرون في الشوارع والطرق السريعة، منهم من يؤثر السلامة له ولغيره، فيتوسط السرعة والطريق، ومنهم من يمشي على الطريق مزمجراً وكأنه خرق الأرض وبلغ الجبال طولاً، «ديم»، وعدم ترك مسافة، و«هرنات»، وانحراف مفاجئ، وقطع إشارات حمراء، وإذا لزم الأمر التجاوز من ناحية كتف الطريق، والنتيجة حوادث، كثيراً ما تكون قاتلة أو مدمرة، وهدر في الوقت والمال والصحة العامة، وإرباك لخطط التنمية.

هل نحتاج إلى المزيد من القوانين الصارمة والحازمة، أم إلى المزيد من الشوارع الفسيحة، أم أننا بحاجة قبل ذلك إلى الإقناع؟ نحن بحاجة إلى نموذج عبدالله الذي اقتنع بأن يسير على الأرض هوناً، وإذا خطف عليه «الموتوريون» قال سلاماً، عندها ستكون السلامة المرورية واقعاً لا يتعارض مع الأقدار، ولا يدعي الوقف التام لحوادث الطرق، بل تقليص عددها، وتخفيف آثارها.


لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر