أبواب

أنا وميركل..

أحمد حسن الزعبي

مازلت على قناعة بأن سجايا بعض الشخصيات، مثل رجال الأعمال، لا تقترب من سجايا عموم الناس في كثير من الأحيان، ففي الوقت الذي يمارس أحدهم هواية لعب الهوكي على الجليد، تأكد أن هناك من يعاني نقصاً في موارد المياه طوال السنة، وآخر عندما يفضّل اللعب في ميادين الغولف الخضراء، تكتشف أن المساحة الخضراء الوحيدة في منطقته هي ملاعب الغولف خاصته، وعندما تكون الوجبة المفضلة لأحدهم «الكافيار» فتأكد أن هناك من هو مثلي، يضع يده على خده أمام قنّ الدجاج، منتظراً أن تقوم الدجاجة بالسلامة، بعد أن تكون قد وضعت بيضة طازجة بين القش ليفطر عليها.

لكن رغم هذا التناقض، إلا أنني اكتشفت أن خيطاً من التشابه قد يمتدّ من بيتي إلى برلين، عندما عرفت أن المستشارة الألمانية ميركل ــ بخلاف رؤساء الدول الكبرى الذين يرعون الكلاب ويقتنونها ويجالسونها ويفتخرون بها أمام كبار الزوار ــ تكاد تكون الوحيدة التي تخافها ولا تحبها ولا تقربها.

• نصحني صديق قبل سنوات بأنه إذا ما واجهك كلب في طريقك البري، فلا تلتفت إليه، ولا تعره اهتماماً، وامض في طريقك، فبعد النبحة العاشرة لن يتبعك، ولن ينبح عليك.

ففي الوقت الذي يقتني فيه أوباما كلبه «بو»، ويتفاخر بوتين بكلبه «بافي» أمام أهم شخصيات العالم، والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند يحاول أن يبرز كلبته «فيلاي» إلى الإعلام كل حين، فإن ميركل تفتخر بأنها ليست لها هواية تربية أي من سلالة الكلاب، بل إن علاقتها مع أي كلب تقابله هي مجرد: «مرحباً مرحباً» لا أكثر.

**

طبعي مثل طبع السيدة ميركل تماماً، أكره الكلاب ولا أطيقها، باختصار لأنك لا تعرف لغته ولا يعرف لغتك، ولا تعرف متى ينوي أن يشمّك ومتى ينوي أن يعضّك، متى سيقفز في حضنك، ومتى ستمزّق مخالبه جلدك، فما الذي يدريني ما هو مزاجه وكيف يفكّر الآن؟ لذلك غالباً ما أبعد عن الشرّ وأغنّي له، هذا في حال الكلب صاحب السلالة والمربى جيّداً، فما بالك بالكلاب الضالة.

نصحني صديق قبل سنوات بأنه إذا ما واجهك كلب في طريقك البري، فلا تلتفت إليه، ولا تعره اهتماماً، وامض في طريقك، فبعد النبحة العاشرة لن يتبعك، ولن ينبح عليك. بقيت استخدم هذه النصيحة فترة طويلة، فكلما حاولت أن أهرول في البراري والسهول، كسباً للياقة، وبحثاً عن الهواء النقي، كانت تقابلني بعض الجراء التي تنبح قليلاً وتسكت، لكن الأسبوع الماضي حدث ما هو غير متوقّع، كنت أمشي مشياً سريعاً في طريق زراعي، وإذا بكلب ضال بحجم الخروف ينبح عليّ بصوت مضخّم، في البداية اعتقدت أنه «مركّب سيستم صوت»، وعملاً بالنصيحة لم ألتفت إليه، ولم أعره أي اهتمام، ومضيت في طريقي، إلا أنه أصرّ على النباح، فمضيت في طريقي، بعد دقائق بدأت أحسّ بأنفاسه الحارة عند باطن ركبتي، عندها لا أدري كيف انطلقت بسرعة الصوت، كانت الأشجار أمام عيني والشواخص المرورية تمر مسرعة مثل لمح البصر، تماماً كمن ينظر من نافذة قطار كهربائي، وعندما وصلت إلى سيارتي المركونة في أول الطريق، اكتشفت أن كل المسافة المقطوعة كانت بفردة حذاء واحدة، وقبل التفكير في طريقة استرجاع فردة الحذاء المفقودة، سمعت ارتطام جسم بالقرب مني.

يا إلهي، نظرت فإذا بها فردة حذائي الثانية، فقد طارت في أول الانطلاق دون أن أشعر، والآن وصلت.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر