خمس دقائق

إيران في جلباب الماضي

إيران لاعب رئيس في المنطقة، لا ضير في ذلك، لكنها لن تكون اللاعب الرئيس. بمعنى أن أيران تريد أن تقنع دول الغرب، خصوصاً أميركا، بأنها القوة الوحيدة القادرة على القيام بدور الشرطي الذي ينظم حركة الحياة ويسيطر على مفاصلها من بحر العرب جنوباً إلى البحر المتوسط شمالاً، فالخليج العربي لا يمثل وحده المدى الاستراتيجي للرؤية الأيديولوجية الإيرانية، فهو الحلم الإمبراطوري الساكن في ثنايا تلك الأيديولوجيا المتدثرة بعباءة الدين، والمتنكرة بقناع الثورة وخطاب المظلومية الخداعة. وعلاقات إيران بدول الغرب، وأميركا خصوصاً، لم تنقطع يوماً وإن أغلقت السفارات وغادر السفراء، وعلت الشعارات وكثر التنابز بالألقاب بين الطرفين. الاتصالات بقيت مستمرة عبر قنوات مختلفة، سرية وعلنية، وليس أقلها ما أطلق عليه فضيحة السلاح الشهيرة «كونترا غيت» خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق رونالد ريجان، ولا أكبرها التنسيق الإيراني الأميركي في غزو أفغانستان والعراق.

• علاقات إيران بدول الغرب، وأميركا خصوصاً، لم تنقطع يوماً.

 

وإذا كانت إدارة أوباما هي التي أنيط بها دور الانكشاف الكامل للانحياز الأميركي لدور الشرطي الإيراني، فإن هذا لا يعني أن أميركا وحلفاءها الغربيين قد هرعوا للتو إلى «الأمة الإيرانية العريقة والدولة القديمة» ليضيفوها إلى قائمة حلفائهم الاستراتيجيين على حساب الدول العربية «التي تخوض غمار تغيرات وتحولات وربما تغيير في الخرائط» على حد زعم محللين غربيين، والذي لم يعد يخفي وراءه مخططاً غربياً لإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة العربية والإسلامية يعيد سيناريو «ساكس بيكو» جديد تحت بند محاربة الإرهاب.

 

إيران تريد أن تكون اللاعب الرئيس بل الأوحد في رعاية «المصالح الدولية» في المنطقة، ومن خلالها تعمل لبسط نفوذها الأيديولوجي على معظم الدول الإسلامية. يتم ذلك بضوء أخضر غربي ذي رؤية سوداء، هدفه إدخال المسلمين قاطبة في حروب ونزاعات دينية ومذهبية تدخل الأمة الإسلامية في سبات وجهل وتخلف عقوداً وربما قروناً أخرى، وتبقى «إسرائيل» وأمنها ومشروعها التوسعي هي الكاسب الأكبر. والذي ساعد هذا التوجه الإيراني طوال العقود الأربعة الماضية هو غياب روح المبادرة العربية، وانعدام سياسة استباقية تدافع من ملعب الخصم، واختيار دبلوماسية المسكنة والمسالمة المفرطة، ووضع كل البيض في سلة واحدة، إلى أن وصل السيل الزبى ففجر «عاصفة الحزم» العربية، وأعاد القرار العربي إلى مركزه في جزيرة العرب، لتنصدم إيران والغرب المنافق بمبادرة لم تتعود على صدور مثلها من الطرف العربي.

نقول مرة أخرى، إن إيران تسطيع أن تكون لاعباً مهماً في المنطقة، ولكن لا يمكنها احتكار هذا الدور لنفسها دون الآخرين، ولا يمكن أن تعيد عقارب الساعة إلى زمن الإمبراطورية البهلوية الفانية. فلا إيران اليوم هي إيران الأمس، ولا دول الخليج وعمقها العربي هم «دويلات» الأمس.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر