ملاعبنا وبيرناتشو
في صفحتين متقابلتين خبران من ملاعبنا للمستديرة التي سحرت الألباب وتراجعت بسببها العقول والمواهب من أمام فكر الأقدام. كلا الخبرين ينبئان عن الأموال السائلة في ما يسمى بمركاتو الدوري. أحدهما على الصفحة اليمين يتناول أجور اللاعبين والثاني على الصفحة اليسار يتحدث عن «زيادة» جديدة في مكافآت حكام اللعبة، وبينهما فجوة تظهر حجم الفراغ الذي أصبح يجتاح العقل البشري في زمن إخضاع كل شيء في عالم اليوم الى مبدأ «البيزنس»، ويضعه على مقياس الرأسمالية المائلة المميلة التي أحكمت قبضتها على كل أسباب الحياة، ووصلت بالبشرية إلى بيع الهواء تحت عباءة الاستثمار.
• أحدهما على الصفحة اليمين يتناول أجور اللاعبين، والثاني على الصفحة اليسار يتحدث عن «زيادة» جديدة في مكافآت حكام اللعبة. |
على اليمين عنوان عن أغلى لاعب أجنبي في دورينا بلغت قيمته المدفوعة «نوط ينطح نوط» 117.6 مليون درهم، يليه 10 لاعبين تعاقبوا على الدوري من الحالي الى موسم 2008، بصفقات بلغت قيمتها 795.3 مليون درهم. وعلى الشمال عنوان يملأ رأس الصفحة بخط عريض عن زيادة في مكافآت الحكام بلغت 2000 درهم، لتضاف الزيادة «السخية» الى أصل المكافأة التي تراوح بين 4000 و10 آلاف درهم شهرياً، ومعها مئات عدة من الشتائم والانتقادات والإهانات يتلقاها قضاة الملاعب بعد كل مباراة من الجمهور واللاعبين والمدربين والإداريين، وأضيف إليهم أخيراً «المحللين» الذين غالباً ما تتحول تحليلاتهم الى مناظرات في ما بينهم تلهي المشاهد قليلاً عن أقفية الحكام.
هذا الميل شديد الانحراف في «توزيع الثروة» في سوق كرة القدم، في العالم وليس عندنا فقط، ذكرني بمقولة المفكر الإنجليزي الشهير الأصلع الرأس بيرناتشو عندما سئل عن أحوال الاقتصاد العالمي فقال «هو كالحال بين رأسي ولحيتي، وفرة في الإنتاج وسوء في التوزيع». ولم يكن حال الفيلسوف الإنجليزي مع نجوم الأضواء بأحسن من حال نظرائه المعاصرين الذين يحملون بضاعة الكلمة ويتجولون عبر مراكب الحكمة ويتاجرون مع الأفكار.
ليس حسداً، والشباب «يستاهلون»، والمواهب في أي مجال تستحق التفضيل، لكن أن تكون الفجوة بين أطراف اللعبة الواحدة الى هذا المستوى من الخلل فإنه تعبير واضح عن الفرق الشاسع في تقدير القيمة بين مواهب الجسد ومواهب العقل والفكر، الأمر الذي يفسر الى حد كبير الخط الذي يسير عليه العالم في توظيف مفهوم الشهرة والنجومية لمصلحة قلة من المستثمرين.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .