الثقة والأمانة في مشروع «القايدي»..
في الريف الألماني تحديداً، وفي دول أوروبية أخرى، تنتشر مزارع تعرض منتجاتها للبيع على قارعة الطريق، والمشتري بعد أن يجمع ما يريد من هذه المنتجات، ما عليه إلا أن يضع قيمتها في صندوق مخصص لذلك، حيث لا بائع ولا مُحاسب ولا جهاز للمحاسبة!
لقد شاهدتُ، كما شاهد غيري كثيرون، اصطفاف المشترين في طابور كي يضعوا قيمة ما اختاروه في الصندوق، دون أن يجبرهم أحد على ذلك، فغياب البائع لم يجعل البضاعة مشاعاً لكل من استطاع حملها، لأن الأمر كله اعتمد على ثقة البائعين، وأمانة المشترين، وحين تجتمع الثقة بالأمانة، فلا حاجة أبداً للرقابة، لعدم وجود الخوف أساساً!
فكرة مُذهلة في مفهومها ومعناها، وفي القيمة الأخلاقية التي تزرعها في المجتمع، بالتأكيد قيمة المنتجات ليست عالية، وبالتأكيد هُناك من سيأخذ ما يريد دون أن يمر على الصندوق، لكن ذلك غير مهم أبداً، المهم أن قيمة أخلاقية مفادها الضمير الحي تُزرع في المجتمع بشكل يومي، والغالبية ستلتزم بالدفع، بفضل الممارسة الإيجابية، وبالتأكيد سيأتي اليوم الذي لن نجد فيه من يأخذ دون أن يدفع.
• غياب البائع لم يجعل البضاعة مشاعاً لكل من استطاع حملها، لأن الأمر كله اعتمد على ثقة البائعين، وأمانة المشترين، وحين تجتمع الثقة بالأمانة، فلا حاجة أبداً للرقابة، لعدم وجود الخوف أساساً! |
في الإمارات أطلق المواطن سالم سلطان القايدي، مشروعاً شبيهاً، سمّاه «خضار بدون بائع»، تقوم فكرته على تأسيس محل يحتوي على خضراوات متنوعة من إنتاج مزارعه الخاصة، لكن من دون بائع، إذ يأخذ مرتادوه ما يرغبون فيه من الخضراوات، ويضعون قيمتها في الصندوق المخصص، وهدفه من ذلك هو «الأمانة والرقابة الذاتية، وترسيخ موروث النزاهة والثقة بالنفوس».
كل التقدير والشكر لهذا المواطن، فهو بالفعل يزرع قيماً ومعاني رفيعة، قبل أن يزرع خضراوات وفواكه، وهو ينشر ثقافة الأمانة المغروسة في نفوس أهل المنطقة منذ سنوات طويلة، لكنها تحتاج إلى تذكير ورعاية، بعد أن أثرت فيها المدنية الحديثة، وخالطتها بعض الصفات الدخيلة، وهو يعكس صورة مشرّفة لثقة وإخلاص وأمانة أهل الإمارات، خصوصاً أن المنطقة التي يعرض فيها بضاعته هي منطقة سياحية يمر عليها الزوار والسياح بشكل مستمر.
سالم القايدي، صاحب هذا المشروع، يقول إن مشروعه يهدف إلى «نشر ثقافة أمانة البيع والشراء، وتعريف المواطنين والمقيمين، خصوصاً سياح منطقة مليحة، بالمحاصيل الزراعية التي تنتجها المزارع المحلية»، ونحن نقول إن هذا الفعل يستحق الدعم والتقدير، فهو عمل مجتمعي قبل أن يكون تجارياً، وتالياً فعلى الآباء والأمهات اصطحاب أبنائهم الصغار إلى موقع البيع، وحثهم وتشجيعهم على الشراء، ثم إعطاؤهم المال ليضعوه في الصندوق، فهذه الأفكار البسيطة هي التي تُكرِّس القيم العظيمة في النفوس الصغيرة، ومتى ما تكرست هذه القيم في صغار السن، فإنه يصعب نسيانها أو تغييرها، وهذا هو المهم.
ليس هذا فقط، بل حتى مديرو ومديرات المدارس في المنطقة الوسطى، بإمكانهم تنظيم رحلات أطفال الروضة والمراحل الدراسية الدنيا، لزيارة مشروع «خضار بدون بائع»، أو زيارة مزارع القايدي، التي تضم مئات الآلاف من الأشجار المحلية النادرة للتعرف إليها، وهذا من دون شك سيضيف رصيداً من المعلومات المهمة، والقيم الجميلة في ذاكرتهم وعقولهم، ربما لا تستطيع عشرات الحصص الدراسية إضافتها إليهم.
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .