شريط «كاسيت»
لكثرة ما تسارع الزمن في السنوات العشر الأخيرة، صار العثور على «ديسك» كمبيوتر مربع الشكل يوازي العثور على «رجل ديناصور» متحجّرة، ومصادفة دليل استخدام لغة «dos» في مبادئ الحاسوب بين المقررات الدراسية تشبه العثور على «طاحونة عقل» ماموث طائر.. فقد تغيّر كل شيء، وانتهى زمن صعوبات التعّلم والتعليم وأصبح كل شيء «باللمس» و«الهمس» (ع رأي محمد عبدالوهاب الله يرحمه).
• مرحلة إهداء الكاسيت هي مرحلة متقدمة من العلاقة العاطفية، فعندما تسلك طريق الرسائل ويصبح هناك سلاسة في الإيصال والاستلام تنتقل العلاقة إلى مرحلة الأشرطة، وليس شرطاً أن تكون جميع الأشرطة غنائية أو عاطفية بين شعر وموسيقى. |
قبل أسبوع اكتشفت في أحد أدراج مكتبتي القديمة عشرات من أشرطة «الكاسيت» التي لم تعد تصلح للاستهلاك الفكري في الوقت الحاضر، فوجئت بالمشهد، فترتيبها بالدرج منذ الثمانينات يشبه ترتيب الدولارت المزيّفة أو طرود الكوكايين، مغلفة بوقار ومرتبة حسب الحروق الأبجدية: «من حرق الشوق، إلى حرق البعد، إلى حرق إنهاء العلاقة»، فناهيك على أن معظمها مآسٍ معتّقة استهلكت في زمن ما «كونتينر» من المحارم الورقية، ونحن نمسح الدموع ما بين غربة، وحب فاشل، وقصص من طرف واحد.. وقصص بدون طرف.. فإن الأشرطة بحدّ ذاتها هي حصيلة خيبات أمل كثيرة مسجلة بأصوات أشهر المطربين العرب؛ بدءاً من «أي دمعة حزن لا» لعبدالحليم حافظ، إلى «بودّعك» لوردة، «الى اجرّ الصوت» لعبدالكريم عبدالقادر، إلى «وترحل» لطلال مدّاح.
ياااه عشرات الأشرطة تم شراؤها من محال «الكاسيت»، أو تم تسجيلها يدوياً من الراديو – لضيق ذات اليد – فنشتري شريطاً فارغاً «أوفر علينا»، ونقوم باصطياد الأغاني الواحدة تلو الأخرى من الإذاعات المحلية، طبعاً لابدّ من حدوث بعض الأخطاء التقنية حيث تدخل نشرة الأخبار على «انت عمري» لأم كلثوم، ثم تنتهي بموسيقى «الوفيات» التي كانت تبث في تمام العاشرة صباحاً مع مقدّمة وردة «انده عليك»... وبعض الأغاني تكون لسيد مكاوي بالشطر الأول، وفي الشطر الثاني تكتشف أن سميرة توفيق تغني «بسّك تيجي حارتنا».. السبب أن بعض المسجلات الرديئة كانت «تعلك» شريط الكاسيت «على غشّ» فلا تكتشف أنها «تعلك الشريط» إلا عندما يتوقف الكلام تماماً.. وعندما تنظر إلى غطاء الكاسيت في المسجل ترى أمتاراً طويلة من الشريط قد حشرت في الداخل، عندها تبدأ بسحبها رويداً رويداً وإعادة ترتيبها من خلال قلم يوضع في فتحة «الكاسيت» ولفه مع عقارب الساعة.. بعض الأحيان كان يقطع الشريط أثناء اللف.. فتقوم بقص الجزء التالف ووضع نقطة «مانيكور» على طرفي الشرط المقطوعين ثم تلصقهما.. «قطعة المانيكور» هذه.. هي التي تدخل سميرة توفيق على خطّ سيد مكاوي فجأة.
بقي أن أقول إن مرحلة إهداء الكاسيت هي مرحلة متقدمة من العلاقة العاطفية، فعندما تسلك طريق الرسائل ويصبح هناك سلاسة في الإيصال والاستلام تنتقل العلاقة إلى مرحلة الأشرطة، وليس شرطاً أن تكون جميع الأشرطة غنائية أو عاطفية بين شعر وموسيقى.. فقد تكون أشرطة دينية أيضاً، فغالباً آخر شريط يصل الشاب من بنت الجيران أو الحارة القريبة يكون للشيخ «عبدالحميد كشك» وموضوعه عن التوبة إلى الله والاستقامة.. وهذا يعني وبدون مقدّمات أو تفسير أن الفتاة جاءها خاطب، ووافقت عليه دون تردد، ولابد من توبة جميع الأطراف دون استثناء.
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .