ابتسم للصورة

لو أهتدي إلى اسم الذي اخترع الكاميرا الرقمية، وألصقها في «قفا» أجهزتنا الخلوية لقبّلته بين عينيه بكرة وأصيلاً؛ فكلما تذكّرت معاناتنا مع المصوّر التقليدي في «الاستديو»، الذي يفتح تحقيقاً معنا حول الصورة، ومكانها، ولزومها واستخدامها ولمن سنبعثها.. قلت الحمد لله على نعمة «التكنولوجيا» الفردية.

**

• الصور في «التطمينات والأشواق» أكثر أريحية وجمالاً من الصور الرسمية، إلا أن ثمة أخطاء فنية كانت تحدث، لا يمكن أن نصفها سوى بالقاتلة؛ فأحياناً كان ينسى المصوّر «فرشاة الأحذية» خلف الزبون، فيظهر شلال ماء هادر، وأسفله فرشاة أحذية في أرضية الاستديو..

وبالعودة إلى النصف العلوي من القرن الماضي؛ فإن الحاجة إلى التصوير كانت تنقسم إلى قسمين: «معاملات رسمية» و«تطمينات وأشواق». أما أصحاب المعاملات الرسمية من استخراج جواز سفر أو هوية شخصية أو بطاقة صحية أو دراسة جامعية؛ فكل المتصوّرين كانوا يظهرون في الصور بعينين جاحظتين وشفاه ناشفة تحاول الابتسام، ولو أخذت جواز سفر بشكل عشوائي من دائرة الجوازات، للاحظت أن صاحب الجواز يبدو «مندهشاً» كأنه فوجئ بالصورة أو بسلوك المصور؛ إذ يفتح عينيه على وسعهما مع تركيز منقطع النظير تجاه العدسة، سألت نفسي: ترى لِمَ كل الصور في المعاملات الرسمية تبدو على الشاكلة نفسها (الانبهار) المبالغ فيه؟! وعندما رجعت بذاكرتي إلى أول صورة رسمية «اقترفتها» وجدت الجواب؛ فالمصور التقليدي عادة ينبّهك «لا ترمش.. دير بالك تغمض.. لا تبين أسنانك.. ركّز ع إصبعي هون فوق الكاميرا.. فتح عيونك عالضو.. لا تمل راسك.. لا تبلع ريقك وانا بصور..» بهذه التعليمات كان يرتبك الزبون، وتهون عليه مشقة السفر ووعثاء المعاملة مقابل تطبيق متطلبات المصوّر التي يطلبها مرة واحدة، بدءاً بالتركيز وتجميد العينين عن حركة الرمش، وانتهاء بعدم بلع الريق، لذا كانت الصور الرسمية كلها تشبه الصور الأولى للنزلاء في مراكز التأهيل والإصلاح.

أما النوع الثاني من الصور، وهي صور «التطمينات والأشواق»، فعندما يرغب المغترب في إرسال صورة لأهله يريهم مدى الراحة النفسية التي يتمتع بها والصحة والعافية فكان يتوجّه للاستديو أيضاً. هناك يسأله المصور: «لمين بدك تبعثها»؟ للأهل.. واقف ولا قاعد؟.. جانبية ولا وجه لوجه؟ يا أخي أريد صورة جميلة تبقى للذكرى.. الخلفيات المتعارف عليها في صورة «الكارت» واحدة من ثلاث: صورة شلال، أو برج إيفل، أو نيويورك في الليل.. والوضعية التي يتخذها المتصور واحدة من اثنين: إما أصبعه على خده، وهو واقف، أو يشبك يديه تحت ركبته اليسرى وهو جالس.

وللأمانة الصور في «التطمينات والأشواق» أكثر أريحية وجمالاً من الصور الرسمية، إلا أن ثمة أخطاء فنية كانت تحدث، لا يمكن أن نصفها سوى بالقاتلة؛ فأحياناً كان ينسى المصوّر «فرشاة الأحذية» خلف الزبون فيظهر شلال ماء هادر وأسفله فرشاة أحذية في أرضية الاستديو، أو تكون «وصلة الكهرباء» بارزة تحت «برج إيفل أو ذبابة التصقت فجأة على الصورة الجدارية، وظهرت بحجم بناية في نيويورك ليلاً.

لأ.. والغريب أن المصور يصرّ على وضع أختامه على الصورة بأكثر من مكان، وتحت شفة الزبون، خشية الانتحال أو التقليد، معتقداً أن ما قام به من فنيات ولقطات خرافية بمثابة «موناليزا» جديدة.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة