«وتعود يا جاك لتسألني!»

في البدء كانت اللقمة..

هي التعبير الوحيد عن الحب لدى جميع من يشاهدونك، لم تكن قد تعلمت الحروف بعد ولكن بفطرتك الطفولية كنت تعرف أن معارك دفع كل هذه الأمور وحشوها بالقوة في «فيك» كما يقول اللغويون هو تعبير عن الحب بطريقة معينة!

بعدها بأشهر أصبحت تحبو.. تتغير الطريقة عن التعبير عن الحب فيها، إذ أصبحت ترى من يحبونك يلقون بك في الهواء، في كل مرة يرسل جهازك العصبي الذي تشكل أخيراً إشارات الخطر إلى دماغك بأنها ستكون المرة الأخيرة التي ترى فيها العالم من منظور الطائر، وأنك ستسقط ذات مرة لتتهشم جمجمتك، ذلك الخوف القذر إلى أن تلتقطك يد أحدهم، وهو ينظر سعيداً إلى ملامح الرعب في وجهك، ويضحك كثيراً قبل أن يطبع قبلة على خدك مؤمناً بأنه عبّر عن حبه بطريقة صحيحة.

حين تصبح قادراً على الوقوف على قدميك الصغيرتين اللتين مازالتا متقوستين لفرط هشاشتهما، يأخذ التعبير عن الحب وجهاً آخر.. ينتظرونك في كل زاوية؛ خلف الأبواب، في داخل الدواليب، خلف نخلة عجوز في حوش المنزل، تحت كرسي وردي اللون يحمل صورة أبناء شقيق بطوط الثلاثة والذي لم نره قط (الشقيق وليس بطوط)، وحين تطل يفاجئك الصوت: بخخخخ.. أو ربما عوووو.. بحسب الخلفية الثقافية والفكرية لمن يحب!

لدينا يا جاك لا يمكنك أن تنسى ذلك اليوم.. الذي يساوي ما تسمونه لديكم «عيد الحب»، بحسب ما أعتقد حين يمتلئ المنزل بالزوار وكل منهم يحمل هدية لك وينظر إليك بحب، تتقافز بسعادة هنا وهناك؛ إلى أن تأتيك الأوامر بالدخول إلى تلك الغرفة، حيث يستأصلون جزءاً من رجولتك وأنت تصرخ، تخرج دامياً وخجولاً من خرقة بالية تغطي ما بين ساقيك، والقوم يرفعونك ويقبلونك وينظرون لوالدك بفخر: مبروك الطهور!

في عمر معين لا تدركه تدخل إلى غرفة الحنان كله، مجلس النساء، لكي تحظى بما اعتدته من حب وقرصات خدود، فتفاجأ بجارتك أم سعيد التي يبلغ وزنها ثلاثمائة وثلاثين رطلاً (بمقاييسكم) تقفز إلى ما خلف الكرسي.. بينما تصرخ جميع الأخريات وكل منهن تضع أمام وجهها مخدة أو شرشفاً.. حتى أمك ذاتها نبع الحنان تغطي وجهها حشرة مع الناس... صفعتين على وجهك، وتطرد من هناك إلى الأبد!

وتعود يا جاك لتسالني لماذا نحن معقدون؟! صدقني يا جاك، لو عشت بيننا لما ضحيت بحياتك على تلك السفينة المجنونة، ولحملت لقباً آخر تماماً، لربما كنت جاك السفاح!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة