5 دقائق
الخيانة مِيتةٌ حقيرة
لم يعد غريباً علينا أن نقرأ في الصحف المحلية عن قضايا الأمن التي تمس الدولة، والمتعلقة بالتجسس والتخابر مع دول أخرى، وبقدر ما هو أمر جيد أن يعرف الجميع عن هذه القضايا، ليأخذوا العبرة والعظة، بقدر ما هو إحساس وشعور مؤلم، عندما تكتشف أنّ من يفترض به أن يكون مواطناً صالحاً غيوراً على وطنه، قد باعه مقابل مبالغ مادية، ومنافع شخصية تافهة.
لا يبيع وطنه إلا الخسيس، ولا يضمر الشر له إلا الحاقد المتجرد من صفات الولاء والانتماء والوفاء. |
رجل يفتقد معاني الرجولة، يتخابر مع دولة أجنبية بقصد الإضرار بمصالح الدولة، وامرأة لا خير فيها سلمت معلومات إلى حزب إرهابي، وغيرهما ممن سمعنا عن قضاياهم خلال الفترة الماضية، ولا أستبعد أن يكون هناك آخرون لم نسمع عنهم حتى الآن، قد يكونون متهمين ومدانين ومتعاونين على الإضرار بمصالح الوطن.
لا يبيع وطنه إلا الخسيس، ولا يضمر الشر له إلا الحاقد المتجرد من صفات الولاء والانتماء والوفاء، يُبرر خيانته بأسباب واهية لا يحكمها العقل والمنطق، فالوطن مثل الشرف، لا يتنازل عن عنه إلا فاقد المروءة والكرامة، حتى ولو غلف خيانته بأسباب ومبررات يخدع بها نفسه ليواري سوأته، يقول نابليون بونابرت: «مثل الذي خان وطنه وباع بلاده، مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه».
لو نظرنا إلى معظم حالات خيانة الوطن، لوجدنا أنها مرتبطة بالطمع والرغبة في جني المال، وحالات أخرى لها صلة بالفكر والمعتقد، وكلها في الواقع تعبر عن شخصية غير سوية، هدفها الأخير الإضرار بالوطن والبحث عن المال، ضاربة بعرض الحائط القيم ومصلحة الدولة والمجتمع.
الولاء والانتماء يعتبران من أهم سمات المواطن المحب لوطنه، المخلص لوطنه وقادته، المدرك واجباته، يتنازل عن مصلحته الشخصية من أجل المصلحة العامة، يعتز بهويته، ويسعى إلى رفع راية بلده في كل المجالات، لا يقف ضد وطنه حتى لو نال منه الظلم والضرر، وكما يقول الشاعر: «بلادي وإن جارت عليَّ عزيزة ... وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام»، ومن دون الولاء والانتماء لا يمكن اعتبار الشخص إلا مرتزقاً ومنتفعاً من نوعية وين دار العز درنا.
لا نعيش في المدينة الفاضلة، السلبيات موجودة، والحكومة تسعى إلى تلافيها والتغلب عليها، لكن لا يبرر هذا خيانة الوطن والإضرار به، من باب السخط والتذمر والشعور بالظلم، وأسباب أخرى حمقاء، الخيانة صفة لم يتعاطف معها أي شخص في يوم من الأيام، وهنا لابدَّ أن أتذكر المقولة الخالدة للمناضل والأديب الفلسطيني غسان كنفاني، الذي اغتالته يد الغدر الإسرائيلية: «الخيانة في حد ذاتها مِيتةٌ حقيرة».
Emarat55@hotmail.com
Twitter: @almzoohi
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .