طفل عظيم بِرُبع جسد
لفت انتباهي، قبل فترة، في القنوات الفضائية والصحف، طفل صغير ليس مثل أقرانه من الأطفال، تتداول وسائل الإعلام مغامراته وأنشطته المتعددة، شاهدته مرة يتسلق أحد الجبال، وفي مرة أخرى يركب على لوح التزحلق، وفي ثالثة يحلّق بطائرة صغيرة مع سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، وفي رابعة يركب على ظهر الخيل.
الإعاقة ليست في الجسد بقدر ما هي في العقول. |
غانم المفتاح طفل بربع جسد، إنما بعقل رجل عبقري يعي كل خطوة يخطوها، يقول عن نفسه «لا تعلمون.. فأنا لست مثلكم لأنني أعيش برُبع جسد، ونصف عمود فقري، ولا أستطيع أن أنام على ظهري أكثر من خمس دقائق، وعند الأكل أستلقي على ظهري، وأحب جسمي أكثر من محبتكم لأجسادكم، وأعظم تحدٍّ هو التعايش مع الإعاقة بحبٍ وسلامٍ وابتسامة».
شدّني الفضول كثيراً لأعرف قصة حياته عن قرب، قرأت كيف واجه صعوبة في الالتحاق بالمدرسة، ولكن لأنّ والدته عظيمة لم تيأس فجعلت من بيته مدرسة له ولأقرانه من الأطفال، قال له الأطباء يوماً: لا يوجد علاج، والعلاج فقط بالمحافظة على صحة جسمه وقلبه.
غانم لم ييأس، ولم ينزوِ هارباً من نظرات المجتمع، بل آمن بقدراته ومواهبه، رغم أنه في نظر الآخرين مجرد معاق بربع جسد، غانم يملك شركة «آيس كريم» لها خمسة أفرع في دولة قطر، ويدير أكثر من 50 موظفاً يعملون في هذه الشركة، وتم اختياره سفيراً للنوايا الحسنة، لأنه يمثل الأمل والنجاح لكل من يرغب في تحدي الإعاقة.
عندما قرأت الكثير عن غانم أيقنت في نفسي أن الإعاقة ليست في الجسد بقدر ما هي في العقول، الإعاقة في الإرادة والعزيمة التي تجعلنا نستسلم للإحباط، ونختلق الأعذار لأنفسنا حتى لو كانت أعذاراً وهمية من صنع أنفسنا، نتحجّج بالظروف والمعوقات، وننسى أنّ الإرادة قادرة على قهر المستحيل.
نحاول أن نبحث عن السعادة رغم أنها قد تكون قريبة منا لا نراها، بينما يراها غانم ومن مثله في كل لحظة وكل حين، يرى الضوء ينير دربه فيستمر فيه محققاً ما عجز الكثير منا عن تحقيقه، يقول الشاعر محمود سامي البارودي: ومن تكن العلياء همة نفسه .... فكل الذي يلقاه فيها محبّب.
Emarat55@hotmail.com
Twitter: @almzoohi
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .