كل يوم

الفرق بين السويسريين و«ربعنا»!

سامي الريامي

لاشك في أن كثيرين سيصفونهم بالمجانين، لكنهم بالتأكيد ليسوا كذلك، هم باختصار شعب حضاري راقٍ بمعنى الكلمة، شعب مثقف مخلص لوطنه، يحافظ عليه وعلى مقدراته، حتى لو كان الثمن إلغاء مزايا مغرية، شعب يقدّر العمل، ولا يريد أجراً سهلاً من دون عمل.

ما حدث في سويسرا قد لا يستوعبه عقل، خصوصاً إن كان ذلك العقل عربياً، فالعقلية العربية غالباً مُحبّة للأخذ، كارهة للعطاء، خصوصاً إن كانت الحكومات هي مصدر هذا الأخذ، يعتبرونها مالاً سائباً من حق المواطن أن ينهش منها متى ما وجد الفرصة المناسبة لذلك، ما حدث في سويسرا يستحيل حدوثه في أي دولة عربية!

هناك حيث لا يعرف كثير من السويسريين أحاديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، التي تحث على العمل، ولم يقرأوا سيرته العطرة التي تشجع على الجهد والكد، ولم يصلهم كثير من التعاليم الإسلامية التي ترفع من قيمة العامل والمنتج، وترفض الاتكالية والكسل، ولم يسمعوا يوماً بأن «السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة»، ومع ذلك رفض 78% من الناخبين السويسريين، الذين شاركوا في تصويت، منح الدولة دخلاً شهرياً، لكل مواطن من دون قيد أو شرط، يبلغ 2500 فرنك (9685.5 درهماً) لمن بلغوا سن الرشد، و625 فرنكاً (2518 درهماً) للأطفال، سواء كان المواطنون يعملون أو لا يعملون!

هذا المقترح واجه معارضة من جميع التيارات السياسية في البلاد والبرلمان، ولم يخرج ولو حزباً سياسياً واحداً ببيان لتأييده، ما جعل الحكومة تطرحه لاستفتاء عام لجمع المبادرات الشعبية، فكانت النتيجة أن رفضه معظم الشعب، وبنسبة تصويت عالية جداً، والسبب الخشية من أن يخلق الراتب مجتمعاً اتكالياً، وأن يقتل روح الإبداع والمبادرة لدى الشباب، وتفقد سويسرا بعد ذلك ميزة التنافسية مع الدول الأوروبية الأخرى!

مفارقة قادتها المصادفة البحتة، فخبر رفض السويسريين للراتب السهل المقترح من الحكومة دون عمل، جاء في توقيت قريب من تصريحات نشرتها «الإمارات اليوم» لمدير هيئة تنمية المجتمع في دبي، خالد الكمدة، أتعرفون ماذا كشف فيها؟

كشف أن الهيئة قررت، بالاتفاق مع الجهات المعنية، «وقف كل أنواع الإعانات المالية لنحو 200 من المواطنين الشباب، بعد أن تأكدت أنهم يرفضون العمل، معتمدين على المساعدات الاجتماعية»، لافتاً إلى أنهم «لن يتمكنوا من الحصول على أي مورد مالي من أي جهة، إلا من خلال العمل، وذلك بعد أن تأكدت الهيئة من إمكانية عملهم، وتوفير الوظيفة المناسبة لمن تعذّر عليه منهم الحصول على عمل مناسب»!

بالتأكيد الإمارات كحكومة قدمت الكثير للشعب وللشباب، ومازالت تقدم وتعطي من دون حدود، وهي لا تقل أبداً عن الحكومة السويسرية في محاولات توفير الحياة الكريمة والرفاهية للشعب، لكنّ هناك فرقاً حضارياً شاسعاً بين أفراد يرفضون حصولهم على مال من دون عمل من الحكومة، وأفراد يتفننون في خداع الحكومة للحصول على أموال من دون جهد وعمل، مع كونهم شباباً في مقتبل العمر، وقادرين على العمل والعطاء!

قد يرى البعض أن الشعب السويسري مثالي زيادة عن اللزوم، ورفضه للتصويت فيه مبالغة لا داعي لها، والحكومة إذا قررت صرف دخل للشعب، بغض النظر عن شكله وقيمته وطبيعته، فلا خطأ في قبول الشعب لهذا القرار، نعم، هذا صحيح، وأعتقد أن أغلبنا هنا في الإمارات سنوافق على الحصول على هذا الراتب «المجاني»، إن صح التعبير، لا عيب في ذلك في نظر الأغلبية، لكن يجب أن يعرف الجميع أن العيب الحقيقي يكمن في وجود فئة تستغل الدولة، وتتحايل على القوانين، وترفض العمل من أجل الحصول على مساعدة مالية من دون جهد يذكر!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر