مزاح.. ورماح

«لا تقرأها وأنت صائم..!!»

عبدالله الشويخ

أنت حر! لكن تذكر أنه كان اختيارك!

كنت في زيارة إلى أحد أصدقائي، الذي سقاني شراباً بارداً في قدح.. لماذا يظن العرب السوء كلما سمعوا كلمة قدح؟! وكلما سمعوا كلمة شراب؟! وكلما سمعوا كلمة ساقٍ؟! يستغفرون إذا قلت لهم إن فلاناً «يشرب» بريئة وعفوية! الله لا يبلانا! كانت البرودة ظاهرة لدرجة تجمع نقاط الماء على أطراف القدح، بتلك الطريقة التي يفسرها الفيزيائيون بأن الحرارة تنتقل من الجسم الأعلى إلى الأقل فتتكون نقاط ماء..! ما علاقة انتقال الحرارة بنقاط الماء؟! لا أعلم لهذا فقد كان هناك تخصص يسمى «أدبي».. أعدت القدح للزميل ففاجأني بحلوى ذات لونٍ زهري خرافي.. جميلة الشكل والملمس والطعم! أخبرني بأنها خلطة سرية اخترعتها زوجته.. تقوم على وضع حلوى «الجلي» - بعد تجهيزها - في خلاط مع قشطة الجاموس البلدية، التي يحضرونها من «البلد» إلى «البلاد».. ويتم ضربها في الخلاط، ثم تجميد الخليط الناتج مرة أخرى وتناوله.. الطعم كان مميزاً فعلاً! رغم أنني لا أفهم لماذا يسمي صاحبي الدولة «البلاد»، ودولته «البلد»، لكن الحوار كان يمر وكلانا يفهم المقصود بأنه سيسافر في العيد من «البلاد» إلى «البلد»!

نقلت تجربة الخلطة السرية الجميلة إلى جميع من أعرفهم وكانت ردة الفعل واحدة.. ينظرون إليك ويقولون: جميل جميل رائع جيد.. ملهم.. لكنّ أحداً منهم لا يجرب الخلطة، ما يجعلك تشعر دائماً بغصة ما في داخلك.. إنهم لا يثقون بي.. إنهم لا يصدقونني!

لذا يمكنك أن تتخيل كمّ السعادة الذي أشعر به، حينما فاجأني أحدهم بأنه قد «عملها»، وقام بتجربة الخلطة..! ويصفها بالعبقرية أيضاً.

.. أتابع بسعادة الزملاء الروائيين، الذين تحولت رواياتهم إلى مسلسلات في هذا الموسم الرمضاني، وأعرف تماماً ما يشعرون به..! إنه شعور الحلوى التي اقتنع الناس أخيراً بأن يجربوا مقاديرها.. «ساق البامبو» لسعود السنعوسي.. «ريتاج» أو «خيانة وطن» لأحمد الحمادي.. «سمرقند» لأمين معلوف، وغيرها.. فليست عبارات الثناء على الخلطة المكتوبة على الورق، مثل تحويلها الحقيقي إلى ما يتم تناوله عند الإفطار!

بدايةً.. تحويل الروايات إلى أعمال درامية ينجح في استقطاب المشاهدين والتغيير في فكر المنتجين، الذين بدؤوا يبحثون عن النصوص في الروايات المنشورة، التي حققت إقبالاً، أو جوائز معينة، أو تحمل رسالات ينشدونها.. هي علامة تبشر بالخير، وكسر لقاعدة مسلسلات الملل والمخدرات ومصائب البويات، و«الحقي عليّ يا يمه».. التي قتلتنا نكداً ومللاً، خلال السنوات العشر الماضية.. كما سيؤدي هذا التغيير في نتائجه إلى تشجيع الكتاب على تقديم نصوص جيدة قابلة للتحويل، وتشجيع المنتجين على البحث الجدي عن ما هو جيد..

لماذا ضربنا المثل بالطعام؟! وما شأن القدح بهذا كله؟!.. هذا من سمات الكتابة الرمضانية.. نوع من الآثار الجانبية للبيئة التي تكتب منها لا أكثر! وهذا طبيعي لذلك أحاول تخيل الأجواء التي كتب بها كُتاب مسلسلات «الحقي علي يا يمه» فصول مسلسلاتهم في السنوات العشر الماضية! اللهم إني صائم!

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر