شمشون العرب

برزت في نهاية الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي ظاهرة شمشون العرب، وكان يتسيد شمشون العرب الخبر الأخير من نشرات الأخبار، كما كانت ترتاح الصحف العربية بإفراد نصف صفحة لرجل مفتول العضلات يبرز نصفه العلوي العاري للمتفرجين، حيث يقوم بالمشي على كوم من الزجاج المكسر بثقة زائدة أو يضع في فمه شعلة نار، أو يدخل أسياخاً في خاصرته المشدودة، أو يطلق صرخة مدوية قبيل تكسير رفوف عدة من الطوب بضربة واحدة، وأحياناً هو نفسه «شمشون: ما غيرة»، يسحب شاحنة كاملة بـ«شعر صدره» أو يجر مدحلة إنشائية بأسنانه، أو يقوم بسحب قاطرة ومقطورة بـ«أذنيه»، وغيرها من المهارات المبهرة والفريدة لكنها غير مفيدة في الواقع على الإطلاق.. كما أننا لا نرى شمشون سوى على الصفحة الأخيرة من الجريدة أو بالدقيقة الأخيرة من النشرة، لكننا لم نره مثلاً في الواقع وفي حياتنا اليومية كـ«سوبر مان» بطبعته العربية.

شمشون ليس الذي يمشي على المسامير والزجاج المكسر ويبقى على قيد الحياة، شمشون من تمشي عليه كل هذه المصروفات ويبقى على قيد الحياة.

أنا أرى أن شمشون العرب الذي يستحق الإضاءة والتكريم والإشادة هو «الموظّف» بقطاعيه العام والخاص، فالموظف بعد اليوم العاشر من الشهر يصبح نصفه العلوي عارياً تماماً، يقوم بالمشي الى نهاية الشهر بثقة زائدة، ويحاول أن يطفئ شعلة غيظة من نفاد الراتب، ويطلق صرخة مدوية وهو يصفع ناصية ماكنة الـ«ATM» وهي تخبره أن رصيدك أقل من الحد الأدني للسحب، ويتسلى من الإفلاس بشدّ «شعر صدره»، ويحاول أن يصل للراتب الجديد بكل بسالة، الموظف هو شمشون العرب الجديد، فمنذ أن ارتفعت شمس الصيف رمحاً في السماء وهو يعاني ويتحدّى نفسه ويحاول أن يغطي ساقي مصروفاته بتنورة راتبه مثل «الستّ المستحية».. كانت البداية في رمضان ومصروفاته الهائلة.. ولائم وطلبات النفس الأمارة بالسوء، تلتها مصروفات العيد من ملابس وعيديات وزيارات ورحلات ترفيهية، تلتها مناسبات الأفراح بمختلف المقاسات.. نجاح، تخرج، زفاف، طهور، عقد قران، انتقال الى منزل جديد، الآن التسجيل للمدارس والتنقلات والمفاوضات في غرف المديرين عندي «4 رؤوس» بكم تحسب لي الراس؟؟ وما أن ينقضي التسجيل للمدارس حتى يتشرف العيد الأضحى بالحضور، كل هذا والموظف على قيد الحياة، والابتسامة...

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة