«ما حكّ جلدك مثل ظفرك»

قرأتُ تحقيقاً صحافياً، قبل أيام عدة، تطرّق إلى عزوف الطلبة المواطنين عن الدراسة في كلية الطب وكلية التربية في السنوات الأخيرة، ويأتي ذلك لأسباب كثيرة ومنطقية، من أهمها طول مدة الدراسة، والعائد المالي الذي لا يتناسب مع الوظيفة.

هذا التحقيق لم يأتِ بجديد يُذكر، فكل ما تم نشره من آراء وتصريحات للمتخصصين وأهل المهنة يعرفه الصغير قبل الكبير، والمسؤول قبل الطالب، ولكن كالعادة لا يوجد حل جذري لذلك.

عندما كان يسكن معنا عدد من طلبة كلية الطب في سكن الجامعة، كنا نشفق عليهم من الأعباء والمواد الدراسية، كانوا لا يمتلكون وقت الفراغ الذي يسمح لهم بأن يعيشوا حياتهم الطبيعية مثل بقية الطلبة، اضطروا إلى الانعزال سعياً وراء الشهادة الدراسية التي ستجعل كل واحد منهم طبيباً يُشار إليه بالبنان بعد تخرّجه.

• أفتخر كثيراً بالأطباء المواطنين الذين أتردّد عليهم في العيادات الحكومية والخاصة.

بعد سنوات طويلة وجد كثير منهم أن سنوات التعب الطويلة لم تنصفهم، خصوصاً أن أغلبهم بات يقارن نفسه بأصدقائه في تخصصات إدارية عادية، وقد أصبحوا مديرين ومسؤولين وفي وظائف مرموقة، بينما رواتبهم كأطباء تعتبر عادية مقارنة بوظائف أخرى، بل المؤلم عندما يتم تعيين من لا يفقه شيئاً في الطب مسؤولاً عنهم يقوم بتقييم أداءهم الوظيفي.

بشكل مشابه ينطبق الوضع على المعلمين والمعلمات، نسمع الكثير من الاستقالات والتذمر، وعدم الرغبة بالعمل في هذا المجال، عندما لا يشعر المعلم بالتقدير سيستقيل، وعندما تزيد أعباؤه الوظيفية دون مردود مالي مناسب سيهرب إلى مجال آخر، وعندما تتحول المدارس إلى بيئة طاردة فلا نتوقع أن نرى المزيد من المعلمين والمعلمات.

أفتخر كثيراً بالأطباء المواطنين الذين أتردد عليهم في العيادات الحكومية والخاصة، أشعر بالاعتزاز وأنا أراهم بارعين في تخصصات مختلفة ونادرة أحياناً، وأتمنى أن أرى المزيد منهم، لأنهم انعكاس لتطور الدولة واهتمامها بالتعليم، بالمثل لا أعتقد أن هناك أفضل من أخواتنا وإخواننا في تعليم طلبة هذا الجيل، وتقديم نموذج يحتذى به في تعزيز الهوية الوطنية، في هذا المجال يحتاج المعلمون إلى مزيد من الاهتمام والتقدير، بعيداً عن الضغوط التي تمارسها الإدارات التعليمية من حين إلى آخر.

باختصار، السنوات تمضي بسرعة، وإذا ما أردنا الاستمرار في التميز فلابد أن نعتمد على سواعد أبنائنا في شتى المجالات التي من أهمها على الإطلاق الطب والتعليم، وكما قال الشافعي رحمه الله: «ما حكّ جلدك مثل ظفرك».

Emarat55@hotmail.com

Twitter: @almzoohi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة