أبواب

موغابي والذهب..

أحمد حسن الزعبي

في زمن سابق، وعندما كان الفقر أحد مشايخ الحي، والمسيطر الأكبر على عيش الناس وجيوب الفلاحين البسطاء، كانت إحدى عجائز حيّنا تصحو بعد انبلاج الضوء مباشرة، تمشي من غرفتها الطينية الوحيدة إلى «خم الدجاجات» تفتح للدجاجات الباب، ثم تدخل رأسها في باب الخم الصغير، وتمدّ يدها في زوايا البيت الدافئ المعتم المليء بالريش، لتعدّ كم بيضةً نزلت منذ غروب الأمس وحتى فجر اليوم.. طبعاً بمعايير الإنتاج لا يمكن أن تطالب الأيدي العاملة بالإنتاج أثناء نومها، إلا أن العجوز كان لديها أمل أن ثمة دجاجة لديها من الإخلاص ما يجعلها تبيض على مدار الساعة.. لو كان «فيس بوك» متوافراً آنذاك، لقلنا للعجوز إن عملية البيض صعبة ومضنية ومشقة، وفيها من الجهد العصبي والعضلي والصوتي الشيء الكثير.. فالبيضة ليست «بوست» توضع كل خمس دقائق على الصفحة من متفرّغي الأعمال؛ وإنما عملية إنتاجية كاملة.. المهم نسيت أن أقول لكم إن تلك العجوز، في حال لم تجد أي بيضة تُفطر عليها الزوج أو الأولاد، كانت تقوم بإلقاء القبض على الدجاجات دجاجة تلو الأخرى، تسمعها ما تسمعها من إهانات وشتائم، ثم تصفعها على وجهها الصغير بإصبعيها ثم ترميها عالياً نحو السياج، لتحس بأن الأمر جدي جداً.. طبعاً اقتصادياً وعلمياً لم تكن لمعادلتها أن تتحقق في أي مكان في العالم.. فهي تجوّع الدجاجات بتقليل كمية العلف، وتطلب زيادة في البيض في الوقت نفسه؛ يعني تريد دجاجاً بياضاً، يعيش على الطاقة الشمسية!

الأخ موغابي يحاسب البعثة، لأنها لم تحرز أي ميدالية بسبب ضعف التجهيزات وقلة اللياقة وفقر الدم والاهتمام.. لكن لم يفسر لنا بهذه المناسبة، كيف فاز بالجائزة الكبرى لليانصيب الوطني.

ذكرني بهذه العجوز، رئيس زيمبابوي روبرت موغابي، الذي طلب من وزير الداخلية القبض على البعثة الرياضية، المكونة من 31 لاعباً وطنياً فور وصولهم المطار، بعد أن فشلت البعثة في تحقيق أي ميدالية في مونديال البرازيل الأخير.. طبعاً الأخ موغابي الذي يمدّ يده كل صباح في «خم الخزينة»، بحثاً عن أموال جديدة يزيد فيها أرصدته الشخصية، يطلب من البعثة الرياضية التي تلقى أقل رعاية من طرف الدولة أن تحرز له ميداليات ذهبية، وملابسهم الرياضية من «البالة.. وسوق التصفية»، وتدريباتهم «على البراد»، وحسب تحسن الطقس.. الأخ موغابي يحاسب البعثة الرياضية لأنها لم تحرز أي ميدالية لزيمبابوي، بسبب ضعف التجهيزات، وقلة اللياقة بسبب فقر الدم والاهتمام.. لكن لم يفسر لنا الأخ موغابي بهذه المناسبة كيف فاز بالجائزة الكبرى لليانصيب الوطني الخيري، وكيف كانت الورقة من نصيبه وحده دونما الشعب المسكين! هو أيضاً اقتصادياً وعلمياً لا يمكن لمعادلته أن تتحقق، لا في البرازيل ولا في الهنولولو.. فهو يجوّع شعبه بسبب قلة دخل الفرد، ويحرمهم العيش الكريم، ويريد منهم أن يحققوا الفوز والعودة بالذهب!

تختنها موغابي بيك!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر