ماذا لو اقترب أكثر؟
ماذا لو تقدّم القمرُ بمعاملة تصحيح اسم في دائرة الأحوال الفضائية والمجرّات، وسحب اسمه من القصائد ورسائل الغزل وأغاني الحب والشوق؟ ماذا لو تاب القمر عن مهنة الغواية وصار كوكباً مطفأ معتزلاً في زاوية الكون لا يعنيه أن يكون متوهجاً أو متبرّجاً بضوء الشمس؟ ماذا سيحل بكل المتكئين على جماله في موسيقاهم وقصائدهم ومعاجم غزلهم؟
أنا شخصياً تدهشني ورقة توت تقاوم السقوط في أيلول (سبتمبر) أكثر من توهج القمر نفسه، وتدهشني جرأة غيمة صغيرة تحلق في سماء صافية وحيدة من غير سرب أكثر من دلاله واحتجابه، وتعجبني حمامة برية أخذت من مئذنة مسجد بيتاً لها أكثر من القمر الأعزب الذي بقي حليف العشاق النظري وما وقف بصفّهم يوماً.
**
يتساءل العلماء: ماذا لو اقترب القمر منّا أكثر؟ بالتأكيد جواب الرومانسية لن يطمس الحقيقة، فلن يسطع نوره أكثر ولن نستطيع أن نمد أكفّنا لنلمس وجهه المستدير ليلة البدر. هذا ليس كل شيء يحمله الاقتراب. يقول العلماء لو اقترب القمر منا أكثر ستسرع الأرض في دورانها حول محورها، وستعصف الرياح في كل مكان بسبب سرعة الأرض، وسترتفع مياه البحار وتدمر المدن الساحلية، لو اقترب القمر أكثر لرأينا وجهه الحقيقي، وأن النعومة البعيدة ما هي إلا فوهات براكين قريبة وأودية سحيقة وصحراء قاحلة، وكلما اقتربت أكثر تعرفت إلى تفاصيل الموت أكثر، لو اقترب القمر أكثر لاكتشفنا وجهه الحقيقي، وقشرنا وجهه المزيف المعجون بالشعر والموسيقى والغناء والآهات والرسائل المكتوبة بالدموع؛ لذا ندعو الله أن يبقى بعيداً كي نحبه كثيراً.
بالمناسبة ما ينطبق على القمر ينطبق على بقية «النجوم» وإن كانت نجوم السماء تمشي بقدر وبهندسة كونية لا يتدخل هواها ولا غرورها ولا مديرو أعمالها في تكوينها ودرجة اقترابها، أما بعض «نجوم» الأرض فأن تراهم من بعيد مغلفين بهالة الاندهاش وضوء الشهرة، مكتملي المثالية، يقطرون جمالاً وموسيقى وغناء، ينام الليل في أكمامهم لوداعتهم، ويصحو الفجر من تلال جفونهم، أفضل من أن يقتربوا منا؛ لأنهم لا يختلفون عن سلوك «القمر»، إن اقتربوا منا سنرى فوهات براكين «الأنا» وأودية الغرور السحيقة، والروح القاحلة التي لا تنبت إلا شوك «النرجسية»؛ ولهذا ندعو الله أن يبقى القمر والنجوم في بعدهم المعتاد والمقدّر؛ كي نحبهم كثيراً!
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .