Be Racist

وصلتني فجأة، مثلك، آلاف التهاني والتبريكات بوفاة السياسي الصهيوني سيئ الصيت شمعون بيريز (وكأن هناك سياسياً صهيونياً ليس سيئ الصيت)، لكن الغريب في الأمر كان في كل ذلك الكم من السعادة والحبور لدى المرسلين حسني النية، ما يشعرك بأن بيريز قد قتل في معركة استعادة الكرامة العربية، أو في معركة مقاومة مقدسة.. وليس على فراشه بعد أن بلغ الرابعة والتسعين، وقام بكل ما يمكن أن يقوم به، لا أعرف ما وجه الفرح في الموضوع؟ هل على وفاته شاباً خسر الكيان جهوده، أم على جهودنا الحثيثة للتخلص منه؟

يحق لأعدائنا أن يفخروا برموزهم..! هذا شأنهم! لكن الغريب في فرح «الثوريين» العرب أنهم لم يقرؤوا في سيرة «المفحوم» بي-ريز لكي يتعلموا من أعدائهم.. كم رجلاً من الثوريين العرب لديه سيرة تشبه سيرة بيريز؟! بيريز جاء إلى فلسطين وهو يحمل كغيره من أبناء جيله حلم دولتهم المزعومة، وبعيداً عن التنظير والعواطف الماسخة لننظر إلى النتائج: في حياته التي امتدت لأربعة وتسعين عاماً، تحول قومه من شتات منبوذ في العالم إلى دولة تسعى كل الدول الكبرى لإرضائها، في حياته تحول اليهودي إعلامياً من شخص وصولي منبوذ يمثله شكسبير في مسرحياته إلى شخص ودود هيوليوودياً ولطيف ومضحك، وأصبح اليهودي هو سينفيلد وليس شيلوك! في حياة بيريز امتلكت هذه الدولة اللقيطة أقوى لوبي للتأثير في سياسات الدول الكبرى.. وامتلكت أفضل المؤسسات البحثية العلمية، وامتلكت ترسانة من أسلحة الدمار الشامل، يمكنها محو أعدائها من الخريطة في دقائق!

في حياته امتدت حدود الدولة المزعومة على أربع مراحل، لتصبح كياناً مؤثراً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وأصبحت على أشلاء أهلنا توصف بأنها واحة في وسط غابة، بينما قادت خيانات الثوريين العرب وحماقاتهم ودكتاتوريتهم واحتقارهم شعوبهم وغرورهم ونرجسيتهم، إلى أن تنهار الدول التي كان يعول عليها في إعادة أقصانا وقدسنا: اجتماعياً وعسكرياً وسياسياً.. وأن يغادر بيريز هذا العالم وهو سعيد جداً، وقد أمّن حدوده البرية وما وراء حدوده البرية.. وأعاد ملوك بابل، الذين سبوا أجداده قروناً طويلة إلى الوراء، وأصبح الأعداء الحقيقيون لأعدائه هم أعداء آخرون له معهم عداء أيضاً.. ولم يعد أحد يشتكي الخوف منه.. بمعنى أنه ضرب أعداءه ببعضهم.. وانسل سالماً!

لم نسمع أن بيريز أو أحداً من بني جيله قد أقام سجوناً سرية، ولم يقصف بيريز معارضيه بالطائرات ويحرق أبناء قومه (أو ما يفترض بأنهم قومه) بالبراميل المتفجرة، ولم يستعن عليهم بغيرهم، بل كان دائماً يبكي من أجل رفات طيار من ملته فُقد قبل عشرات الأعوام! هذا هو الفرق بينه وبينكم.. لهذا فهو يغادر سعيداً وقد أكمل رسالته بغض النظر عن صحتها أو خطئها، لكنه ولّى وقد أنجز في حياته ما لم تنجزه خطاباتكم الثورية في مائة عام وربما أكثر!

يحق للشعوب التي يحقق لها قادتها تطلعاتها أن تفتخر بهم! بينما نحن من أضاع البوصلة وأصبحنا نبكي على قاتلنا.. ونقتل من يبكي حباً ورغبة بنا..

ما الذي تخشاه إسرائيل من بعض العرب!

بعدما صاروا يهوداً؟!

#عبد الله_الشويخ

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة