مزاح.. ورماح
حماية الأطفال
تبدأ الكاميرا بما يظهر أنه شخصٌ بريء ورب أسرة مثالي يدخل إلى منزله، يسأل الموجودين في الصالة عن مكان الأطفال، ثم تنتقل الكاميرا إلى عدد من الأطفال في الباحة الخلفية للمنزل، الذين يتضح أنهم يقومون بصبغ وجوههم بمادة لها استخدامات «عائلية» أخرى، وينطلق هنا صراخ الأب عليهم: «الله يغربلكم شو تسوون؟!»، مع ضحكاته المفتعلة! وفي مشهد أو مقطع آخر يتكرر الأمر مع أطفال آخرين يعبثون بمواد خطرة أخرى، أو أدوات كهربائية أو منتوجات ذات إيحاءات بذيئة، وفي كل مقطع تسمع الضحكات المصطنعة ذاتها، والسيناريوهات السخيفة ذاتها، والتصوير والإنتاج الرديء الذي يدل على أن الأمور كلها كانت عفوية.
لاشك في أن عدداً من تلك المقاطع قد وصل إليك تحت مسميات التواصل الاجتماعي الشهيرة: «الطفل الذي جاب العيد»، «الطفل الفضيحة»، «أحباب الله واستخداماتهم البريئة للبالونات»... إلخ.
الأمر لا يحتاج إلى ذكاء شديد لكشف كمية الافتعال والتمثيل في المقاطع، بداية من ملامح الذين يدخل عليهم الأب، ويشيرون له إلى موقع وجود الأطفال، فتلك الملامح البلهاء التي لا تتقن التمثيل موجودة في كل فريج، وحفظناها لكثرة ما مرت علينا صغاراً، حين يأتي الزعيم فجأة ويمد يده على آخرها ليسلّم عليك بلا مناسبة، أو ملامح الأبله الآخر الذي يقول لك: قل أربعة.. الغاية من تصوير هذه المقاطع السخيفة هي اعتقاد الأب المستظرف بأنها ستنتشر مثل ما حدث مع «تشارلي إن هذا مؤلم»، وبهذا ينتقل بسرعة من قاع المجتمع إلى قمة هرمه، ويستغل هذا النجاح للترويج لعطورات الغابة السعيدة، والفرن الذهبي للكب كيك، ومغسلة عطرني للسيارات، وتتغير نبرته بعد أول 1025 درهماً تتحول إلى حسابه، ليبدأ بالحديث عن أهمية دعم المنتج الوطني، وخطر «داعش» على أبناء الجيل الجديد!
ما يفعله ولي الأمر الأحمق شأنه ــ الله لا يرده ــ لكن بأي نفسية سيعيش ذلك الطفل الذي رأته الدولة، والخليج كله، وهو يشرب من قوارير «المياه» في ثلاجة الفندق ويعوّره بطنه، لكي يضحك متابعو والده على المشهد؟! وأي لقب سيلتصق به؟ وهل ستلومه مجتمعاتنا المحبة للتسامح والنسيان إذا أصبح مدمناً ذات يوم؟ أو أنها ستكرر ببساطة أنه مفطوم على المنكر؟!
بأي نفسية ستنشأ الطفلة التي كانت تفعل كذا وكذا، أو الصبي الذي كان ينفخ «البالونات»، أو الذي لطّخ وجهه بالمكياج؟ وهل فعلاً يستحق مجتمع يرفع من خشاش الأرض إلى القمة، بسبب إيذائهم أبناءهم، أن يُحترم؟!
في كل عام كانت إدارة حماية الطفل تمنح أطفالنا ومجتمعنا منتجاً يجعلهم أكثر أمناً، فمن تطبيق حماية الأطفال إلى القوة الافتراضية وقانون «وديمة» وقوانين الباصات المدرسية وغيرها، إلا أنه يبدو أن الحماسة قد خفّت في العامين الأخيرين، ونحتاج نحن هنا إلى عودة تلك الحماسة، فهناك حاجة حقيقية لتشريع يحدّ من استخدام الأطفال أو الأبناء على مواقع التواصل الاجتماعي، بما قد يؤذيهم، لإضحاك الآخرين!
#عبد الله_الشويخ
Twitter:@shwaikh_UAE
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .