مزاح.. ورماح

«لا تدق صدرك!»

عبدالله الشويخ

من باب الأدب كان علينا إعطاء الفرصة بشكل دوري لصديقنا ابن التاجر لكي يفهم مغزى العطاء عن السماح له بدفع الحساب، في طاولتنا هناك الكثير من الدروس التي يستفيدها الجالسون، فالثقة على سبيل المثال هي العنصر الأهم، فلا يسمح للفريق المنافس بأن يحلفني وشريكي بأننا لن نغش لأن ذلك سيؤثر على معنى الثقة، بأصدقائك وبالمجتمع، وعلى الفريق المنافس تهنئتنا باستمرار عند الفوز. جميلة تلك الايام! ولكن أخيراً فقد الناس اهتمامهم بالمعاني وأصبحنا أنا وصاحبي نتبادل دروس الحياة بمفردنا على طاولتنا بعد أن استقطبت طاولة الماديين ابن التاجر وبقية الشباب! أناسٌ لا تقيم وزناً للحكمة!

استبدلناهم ببعض الشباب الجدد على الطاولة، والحقيقة أنهم كانوا جديدين على المقهى كله، بل والدولة أيضا، تبادلنا أطراف الحديث.. كانوا شباباً لطفاء من دول عربية، يتلمسون حياتهم الجديدة في الإمارات، لدى أحدهم مشكلة في دائرة تأخرت في انجاز معاملته، “دقيت” على صدري فوراً وأفهمته بأنني «العمدة» في المقهى، وربعي موجودون في كل الدوائر،، وليس عليه سوى أن يغض الطرف عن بعض تصرفاتي وشريكي في اللعب. سمع الآخر الحوار وكانت لديه معاملة في جهة شبه حكومية، ودققت على صدري ثانية، ما فائدة الربع إذاً؟ فزت وشريكي في هذا اليوم، ولم يحرز الشابان ولا «بنط»، بينما تطوع شاب عربي ثالث للإمساك بورقة الحساب التي كانت تشير لفوزنا بأربعمائة نقطة رغم أن اللعبة تنتهي عند المائتين وخمسين، وأخبرني الشاب الثالث بمعاملة متوقفة لنقص ورقة ما في جهة خدمية. و”دقيت” صدر «العمدة»ثالثة. والحق أن دق الصدر يشعرك بالرجولة.. خصوصاً حين تشيعك جملة «متشكرين يا كبير» لدى خروجك!

خصصت يوم الخميس الجميل لإنهاء معاملات الشباب الثلاثة؛ لكن الفجيعة كانت في التغيير الكبير في الدوائر الحكومية التي أصبحت تطبق القانون بشكل محرج، والأنظمة الذكية التي لا تحتوي على خانة: «هل لديك واسطة؟»، كان الأمر محرجاً وأنا أذكر مدير الدائرة بأنني ابن فلان صديقه القديم، وهو يقول لي: «الله يرحمه، بس لازم النواقص تدخل إلى النظام»، في الدائرة الثانية شبه الحكومية كانت الصدمة أقوى، فما لا يستطيع أصغر موظف عمله لك لا يستطيع المدير عمله، لأن الإجراءات عبارة عن منظومة. أحاول قراءة اسم الموظف أمامي وأنا أستدعي مع ابتسامة بلهاء كل معارفي من نفس «الورج» وأسأله هل تعرف فلان؟ المهم أن ابن «الحلال» مقطوع من شجرة والمعاملة لم تمش! في الجهة الخدمية الثالثة لم تقبل شفاعتي أصلاً لأنه لا علاقة لي بصاحب المعاملة. خرجت وقد فهمت أننا خسرنا تلك الأوراق الصفراء الجميلة التي كانت تسمى «تزكية»، أنا فلان ابن فلان، وأزكي عندكم فلان، وهو معروف لدينا.. لقد تغير العالم يا صديقي.. واسمك لم يعد رناناً.. وصديقنا «السيستم» طرد «الواسطة» سيئة السمعة، ولم يبق لك إلا أن تسير في دوائرنا رافع الرأس طالما أن أوراقك كاملة!

اليوم نحن على طاولتنا في المقهى ذاته النتيجة مائة واثنان وسبعون لصالحهم والحكم متغيب! وصلتني على الهاتف النقال رسالة نصية منه تقول: «لا تدق صدرك إذا ضلوعك ردية!»..

تهزيء باللهجة المحلية! طب ليه كده يا كبتن؟

Twitter:@shwaikh_UAE

#عبد الله_الشويخ

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر