أبواب
الذرية الصالحة
اعتقد الجدّ الطيب أنه يقوم بواجبه المعتاد عندما وصل إلى مدرسة حفيده في الوقت التقريبي اليومي لانتهاء الحصص، شاهد مجموعة من الصبية يخرجون من الصالة الرياضية في مدرسة «إديستو» في إحدى الولايات الأميركية، فسأل حفيده المفترض «جاهز للمغادرة» قال الفتى نعم.. ففتح له باب السيارة كالمعتاد وركب معه.. الجدّة التي تجلس في الكرسي الأمامي هي الأخرى ناولت الفتى شطيرة يسدّ بها جوعه بعد يوم دراسي طويل دون أن تنظر في وجهه، والصبي بدوره تلقّف الشطيرة «ع السكّيت» ومضى معهما إلى حيث يذهبان.. عندما وصلوا إلى البيت اكتشفا أن ابتسامة الحفيد ناقصة حيث يبدو الولد فاقداً لسنه الوسطى وهذا ما لم يكن عليه في الصباح الباكر.. دققا في ملامحه جيداً ليكتشفا أنه ليس حفيدهما، فأعاداه إلى المدرسة مع بالغ الاعتذار بعد أن اصطحبا الحفيد الخطأ، أما الولد فعلى ما يبدو «مش فارقة» معه المهم توصيلة مجانية وشطيرة مدهنة.
دققا في ملامحه جيداً ليكتشفا أنه ليس حفيدهما، فأعاداه إلى المدرسة مع بالغ الاعتذار بعد أن اصطحبا الحفيد الخطأ. |
أذكر قصة حقيقية حدثت في بلدنا، قريبة جداً من حادثة الجد والحفيد.. حيث كان أحد رجال القرية مزواجاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلديه من النساء في دفتر العائلة أربع، أما الناتج القومي من الذرية الصالحة فمقسّم كالآتي: الأولاد الذكور خمسة عشر والإناث تسع.. بعضهم جاءه بعد أن بلغ من العمر عتيّاً بحيث لم يعد يميز الوجوه ولا يذكر الأسماء، سيما أن بعضهم كان في أعمار متقاربة وجينات متطابقة موزعين بين فئات عمرية لا يمكن حصرها بين دفتي «إنجاب».. المهم وفي أحد أيام الصيف القائظ كان يستريح الحجّي على رصيف الشارع الفرعي في الحي بطريق عودته إلى البيت.. مرّ طفل يحمل بين يديه «ثيرموس» يبيع فيه بوظة محلية التعبئة والصنع وينادي بأعلى صوته للمشترين.. نادى الرجل الولد البائع.. فاقترب منه وهو بالكاد يحمل بضاعته الثقيلة.. طلب منه أن يملأ له «قمعاً» من البوظة.. أزاح الطفل غطاء الـ«ثيرموس» أخرج قمعاً وقام بدكّه دكاً من البوظة البيضاء الباردة ثم ناوله للرجل المسن.. الرجل بدوره تناول «القمع» بيمناه وبدأ يبحث في جيبه عن قرشٍ منفرد ثمن البوظة، أخيراً وجده في قاع الجيب بين أوراق المحارم وكيس من الدخان العربي.. ثم ناوله للفتى.. «خذ يا ولد»! رفض الولد أخذ القرش وانشغل في إعادة غطاء «البراد» إلى مكانه ليكمل السعي في رزقه.
- بقلك خذ يا ولد!!
- الفتى: ما بوخذش!!
- ليش ما توخذ؟؟؟
- ما أنت أبوي!!
- قرّب أشوفك؟ من هي أمك؟؟
- الفتى: عيشة..
- آه عيشة.. يا الله خلّص بيع وروّح!
ثم واصل الحجي لعق البوظة المجانية بتلذذ وزهوّ.. دونما أي شعور بالذنب!
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .