بائع الخضار الأكثر تأثيراً
كنت ألتقي معه في قسم الخضار والفواكه بالجمعية التعاونية، رجل في منتصف الأربعينات، يعرف كل صغيرة وكبيرة في ما يتعلق بالخضار والفواكه التي يتم توريدها للجمعية، عندما يراني فإنه يبدي رأيه حول الفواكه المتوافرة في الجمعية، بل كان في بعض الأحيان يختار لي الثمار بيديه، بعدما يتأكد أنها الأفضل من ضمن المعروض.
اكتشفت، من صورة صاحب الحساب، أنه يعيش حياتين، الأولى في قسم الخضار والفواكه. |
كان يفعل ذلك مع العديد من الزبائن، يقابلهم بوجهه البشوش، تعرفت من خلاله إلى أشياء كثيرة كنت أجهلها في عالم الخضار والفواكه، تعلمت منه الفرق بين الطماطم العادية والطماطم الهولندية العنقودية، ولماذا تكون أسعار بعض أنواع الخضار الآسيوية أرخص من المنتجات المحلية، رغم أنه يفترض منطقياً أن تكون المحلية أرخص بكثير.
لكن خلال الفترة الماضية، وجدت أنّ نفسيته تغيرت كثيراً، فلم يعد ذلك الرجل الذي يقدم المساعدة للزبائن، في معظم الأوقات كنت أشاهده منهمكاً يستعمل هاتفه، يبدو على ملامح وجهه التوتر دون أن يكون هناك سبب مقنع.
قلت لنفسي ربما يعاني ضغوطاً نفسية في العمل، وربما حرمه المصون قد جعلت حياته جحيماً خلال الأيام الماضية، وربما لديه مشكلات تحتاج إلى حل فوري، ليعود كما كان.
تقدمت منه، وطلبت منه معرفة ما الذي حل به أخيراً، تنهد تنهيدة عظيمة، ثم قال: يا أخي شكراً لك، لأنك الوحيد من بين الزبائن الذي أحس بالضيق الذي أشعر به، قد تستغرب عندما أقول لك إنني ضقت ذرعاً بهذا العمل، لقد سئمت التعامل اليومي مع البرتقال والتفاح والجرجير، لقد طفح بي الكيل من سؤال الزبائن، الذين لا يعرفون الفرق بين الكزبرة والبقدونس، لا أريد أن أستمر في هذا العمل، حككت رأسي وبادرته بالسؤال: ما تخصصك؟ وما العمل الذي من الممكن أن يناسب إمكاناتك، ويمكن أن يُشعرك بالراحة؟ هنا أمسك بهاتفه، وطلب مني مشاهدة الشاشة، كان حساب في «تويتر» يتناول الأحداث السياسية، ويحلل الأزمات في الشرق الأوسط، ويناقش مستقبل السياسة الأميركية، في ضوء نجاح دونالد ترامب في الفوز برئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
اعتقدت لوهلة أنه مستاء من الأزمات في عالمنا العربي، لكنني اكتشفت من صورة صاحب الحساب، أنه يعيش حياتين: الأولى في قسم الخضار والفواكه، والثانية أنه محلل سياسي واستراتيجي، يعتقد أنه من ضمن الشخصيات العربية الأكثر تأثيراً في «تويتر».
Emarat55@hotmail.com
Twitter: @almzoohi
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .