لن ترتدي المال بدل ثيابك!
قبل نحو خمس سنوات، أعلن ذلك الرجل أنه وبحلول 2016، سوف يكون وزع آخر ما تبقى من ثروته الضخمة، التي جمعها من عمله طوال حياته، لأعمال الخير، ومنذ ذلك الحين بدا كأن الرجل في سباق مع نفسه، ليصل إجمالي ما تبرع به هذا العام إلى ثمانية مليارات دولار أميركي، خصصت لمجالات التعليم العالي، والصحة العامة، وحقوق الإنسان والبحث العلمي، ليُخرج الرجل (رسمياً)، آخر ما في جيبه، ويحقق أمنيته في «العطاء أثناء حياته»!
هذا الرجل هو الأميركي «فيني»، البالغ من العمر 85 عاماً، وهو الذي قال في مقابلة الأسبوع الماضي: «دائماً يشعر الإنسان بالقلق عند التصرف في مثل هذا القدر من المال، لكنني أعتقد أننا أحسنا إدارة الثروة»، لقد تبرع بكل ثروته، وكل ما تبقى لديه الآن مبلغ يفوق المليوني دولار بقليل، يحتفظ به كمدخرات شخصية، وهو يعتبر مبلغاً متواضعاً جداً لرجل كان حتى وقت قريب يمتلك أضعاف أضعافه، والآن يعيش مع زوجته في شقة مؤجرة بولاية سان فرانسيسكو!
«فيني» بدأ التبرع بأمواله لتنفيذ مشروعات خيرية منذ عام 1982، وكان ذلك يحدث في سرية تامة، ما جعل مجلة فوربس الأميركية تطلق عليه اسم «جيمس بوند الأعمال الخيرية»، فشيّد بأمواله أكثر من 1000 مبنى موزعة على خمس قارات، وأسهم في كثير من الأنشطة الخيرية عبر مؤسسته الخيرية المعروفة باسم «أتلانتك»، وأسس منظومة صحية عامة في فيتنام، كما أسهم في توفير العلاج المضاد لفيروس «الإيدز» في جنوب إفريقيا، وتبرع بنحو 600 مليون دولار، من أجل برنامج إعداد جيل جديد من القادة الشباب في مختلف دول العالم، لخلق مجتمعات صحية.
هذه هي المسؤولية المجتمعية، لمن لا يعرفها، لاشك في أن كثيرين يرون في هذا الرجل نوعاً من الجنون، لِمَ لا؟! فعقولهم لن تدرك أبداً حجم الراحة النفسية التي يشعر بها بسبب عطائه، هذه الراحة لم يجدها «فيني» يوماً وهو يمتلك المليارات من الدولارات، لكنه شعر بها وهو جالس في شقته المؤجرة يتأمل لوحات أحفاده المعلقة على الجدران، تلك اللوحات التي لم يكن يمتلك الوقت الكافي ليقول لأحفاده: «أحسنتم.. إنها فعلاً جميلة!».
«فيني» وغيره كثير من كبار رجال الأعمال الأميركيين، تحديداً، يؤمنون بالمسؤولية المجتمعية، وينفقون ثروات ضخمة من أجل توفير الرعاية الصحية والتعليمية للمحتاجين، ومن أجل تطوير الأبحاث والعلاجات للعالم بشكل عام، هؤلاء «الكفار» ينفقون بسخاء وكرم، ويقدمون عطاءات غير محدودة للأعمال الخيرية، في حين نجد معظم رجال الأعمال العرب والمسلمين بعيدين كل البعد عن إنفاق أموالهم لصالح الخير، إلا ما نَدُر!
نموذج «فيني» نادر الحدوث بنسخته العربية، أو حتى غير العربية، في مجتمعنا المحلي، فالمسؤولية المجتمعية فكر وقناعة وإيمان، قبل أن تكون أي شيء آخر، ورجال الأعمال هنا بمختلف جنسياتهم، ومثلهم كبريات الشركات، لا يمتلكون القناعة والإيمان الخاص بضرورة التبرع للمجتمع، من أجل إفادة وإسعاد المجتمع، لكنهم يملكون الإرادة والهمة والخطط التنفيذية من أجل زيادة أرباحهم فقط!
«جيمس بوند الأعمال الخيرية»، أو «فيني» الأميركي، عند سؤاله عن سبب عدم احتفاظه بمبلغ أكبر من مليوني دولار من ثروته المقدرة بثمانية مليارات، أجاب: «أنت لا ترتدي سوى بنطال واحد في كل مرة»، وهذه النظرية لن يفهمها إلا من يحب ويعشق ويعرف معنى الأعمال الخيرية، وجوابه يذكرني بجواب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عندما سألناه ذات مرة عن مشروعاته الخيرية العالمية، فأجاب: «إذا وجد الإنسان حاجته الأساسية من المال، فماذا سيصنع بالمليارات، هل سيرتديها بدلاً من ثيابه؟!».
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .