ما لم تعرفه العرّافة
في آخر الشهر تبدو محفظة النقود «عاملة ريجيم» تماماً، لا يوجد بها سوى رخص القيادة وبطاقة التأمين الصحي، وبطاقات العضوية التي لا تسمن ولا تغني من جوع فقط للتباهي وللذكرى العطرة ولحشو السيرة الذاتية بالانتسابات المتعددة.
وفي آخر الشهر أيضاً يصبح فرك الورقة النقدية بين الأصابع أكثر شدة قبل تسليمها للبائع أو للمحاسب في «السوبر ماركت»، تفركها مرتين وثالثة وكأنك تستتيبها لتفصح عن ورقة أخرى لم ترها أو تقترب منها.. كل ذلك خوفاً من إعطاء ورقة نقدية ملتصقة بأخرى من باب الخطأ فيخسرها، طبعاً هذا الاحتمال يحدث مرة واحدة من بين مليون حالة ومع ذلك الحرص واجب.
وفي آخر الشهر كذلك.. يقوى النظر على غير عادته.. فالعقل يوجّه العينين إلى ضرورة الانتباه بالقرب من صرافات البنوك، أو بمحاذاة الأرصفة، أو تحت «كاونتر محل الصرافة» علّ أحد الزبائن أسقط ورقة نقدية أو حزمة جميلة متساوية المقاسات والألوان، ولم يسأل عنها، وسامح من أخذها من قلب خالص، فتطيل في عمر الشهر وتورق أيامه من جديد.. وفي آخر الشهر أيضاً تلتفت العيون إلى كل شيء براق يلمع تحت الشمس، كأغطية «علب الكولا»، «قصدير الأرجيلة»، رأس «ولاعة» معطوبة.. أي شيء، علّه يحمل قيمة نقدية ولو أدناها، المهم أن يظفر بــ«لُقطَة».
**
يقول أحدهم، في اليوم المتمم لليلة نزول الراتب في الحساب، كنت أمشي، وأقوم بكل ما سبق من التأني أمام مخارج البنوك والوقوف طويلاً قرب محال الصرافة والدوران حول الأرصفة والمقاعد الثابتة في الشوارع تقصيراً للوقت والبحث عن الحظ الذي يبتسم، لكني اكتشفت أن الحظ الذي سيبتسم بحاجة إلى تقويم أسنان هو الآخر.. فقد صادفتني إحدى العرّافات التي تجلس في الشارع، بعد أن راقبتني وأنا أمشي ببطء ذهاباً وإياباً عرفت أنني أجتر الوقت ليمضي فنادت..
العرّافة: هي يا شبّ..
الشاب: تفضّلي..!
العرّافة: بتحبّ أقرا لك الحظ والرزق وأعرف شو مخبي لك الزمن..
الشب: يا ريت !
العرّافة: هات 100 دولار عشان اعرف لك حظك ورزقك!
الشاب: واضح أنك لا عرّافة ولا بطّيخ!
العرافة: له ليش هالحكي يا ابني!
الشاب: لو كنت عرافة بجدّ.. كان عرفتيني طفران ما في جيبي ولا قرش.
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .