أبواب

إقامة جبرية..

أحمد حسن الزعبي

في الدول الأوروبية يجعلون من حدائق الحيوان عالماً بحدّ ذاته، فيه من التنوع الجيولوجي والمناخي ما يناسب الحيوان كي يحافظوا على صحته الجسدية والنفسية، ولا يشعر بالوحشة أو الغربة، وبالتالي التفاعل والتناسل والبقاء على قيد الحياة، فهو ليس مجرّد حيوان معروض للزوار يشيرون عليه بالأصابع فقط..

شخصياً أحزن على الحيوانات النادرة التي يؤتى بها إلى بعض مدن الشرق الأوسط، ويُزجّ في أقفاص تسمّى مجازاً حدائق، فبعد العناية الفائقة، والخدمة الممتازة، والإشراف الصحي الذي يتمتّع به الحيوان في موطنه الأصلي، هنا تشعر بأنه تحت الإقامة الجبرية، أو ينفّذ عقوبة المؤبد لا أكثر.

في إحدى المدن العربية شاهدت قرداً يأكل «ميداليات» الشاي من الجوع، فعندما يحضر الزوار يوم الجمعة ومعهم أكواب الشاي الورقية، يرمون عليه الميداليات من باب الدعابة، فيفتحها المسكين ويبدأ بمصّها من الجوع، كما أنهم يرمون عليه قشور الفستق، وأكياس الشيبس الفارغة، وقد شاهدت أحد الزوّار يشعل سيجارة، ويناولها للقرد، فخطفها الأخير، وبدأ يدخّن بنهمٍ، وسط ضحكات الحاضرين، وغياب الرقابة من قبل إدارة الحديقة.. تخيّلوا لقد علمنا القرد الدخان (بقي شوية «حشيش» ووضعه بيصير تمام).

أحد الأسود في الحديقة نفسها منسدح، وبطنه ضامر من الجوع، بينما تتناثر حوله حبات الترمس والبوشار، فنحن من جعل الأسد يأكل الترمس، طبعاً واضح الإنهاك والتعب والجوع على هذا الحيوان، الذي كان يُحسب له ألف حساب في الغابات، تخيّلوا أنه موضوع في قفص ضيق، وبالقرب منه بقايا بنطلون جينز، وإبريق وضوء في زاوية القفص.. هل يتوضأ الأسد؟ أين الشجر والغابات وقطعان الجواميس التي كان يهاجمها؟ أين اللبوءة التي كانت تدلله، وتحضر له غزالاً شهياً فور استيقاظه من النوم.. «بلاش» حياة البراري.. أين الرعاية التي كان يتلقاها في حدائق أوروبا؟ فالشقراوات يقسن ضغطه كل صباح، وخبراء التغذية يضعون حصته من الطعام خروفاً طازجاً مع الظهيرة، إضافة إلى العشب والفيء والوجه الحسن.. هنا كل يومين يرمي له حارس الحديقة فخذ جاموس هندي مجمّد، منتهي الصلاحية في «المولات»، ناهيك عن القهوة التي يرشقه بها بعض الزوار، كانتقام غير مبرر على شجاعة هذا الغضنفر.

أحد النمور في الحديقة نفسها أيضاً، تشعر بأنه مكتئب، يعاني من ألف مرض نفسي، حتى صار يعرف الزوار بالاسم، فأحياناً إذا ما دخل رجل ونظر إليه من القفص.. يود النمر أن يسأله: «ليش مش جايب حمّوده معك»!

حدائق الحيوان في بعض البلاد العربية هي مكان للإقامة الجبرية لا أكثر، وهي أوطان منسوخة من أوطاننا، والطريقة التي يُعامل بها المخلوق البرّي من إذلال وإهمال ومنّة هي الطريقة نفسها التي يُعامل بها المواطن نفسه، ولو كان غضنفراً.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر