أبواب

هواء للبيع

أحمد حسن الزعبي

بقينا نستخدم عبارة «أنا ما بشتري سمك بالبحر»، كنوع من رفض الاستغفال والغموض في التعامل، وعدم وضوح الرؤيا.. إلى أن جاء السويسريون الذين صاروا أكثر حذاقة وفهلوة وشعوذة من ذاك الذي يبيع سمكاً في البحر.. وقرروا بيع هواءهم النقي هذه المرة لمن يريد أن يشم «هوا سويسرا». رجل سويسري يعتقد أن استنشاق الهواء الجبلي السويسري العليل أمر يجب ألا يكون بالمجان، ويجب أيضاً ألا يُحرم منه المتبقون من سكّان الأرض، الذين يشتهون شهيقاً عميقاً من هواء سويسرا بعيداً عن دخان السيارات، وغبار المحاجر والكسارات وعوادم المصانع، فقرر تأسيس شركة خاصة به، تقوم بتعبئة الهواء السويسري بقوارير خاصة، وبيعه للمحتاجين بـ167 دولاراً للعبوة الواحدة. وتدّعي شركة الهواء الجديدة، أن زبائنها سيلمسون الفرق من أول «نفخة»، حيث سيشعرون بالنضارة والحيوية عند استخدامهم الجِرار المعبأة والمختومة حسب الأصول، والتي تحتوي على أكسجين قادم من جبال الألب، حيث تمّت تعبئتها بمكان سري في جبال سويسرا، الأمر الذي سيجعل التنفس منعشاً للغاية. تخيّلوا أحدهم يكون في مجلس، فيضيق به كلام المتحدّثين، وطريقة الحوار، فيُخرج زجاجة هواء سويسري يضعها في فمه مثل مرضى الربو ثم يبتسم.. يتساءل الجميع: «خير شو فيه؟ فيقول بثقة: لا، بس حبيت أغيّر جو شوي»، أو أن تزنّ إحدى السيدات على زوجها، بضرورة أن يضحّي قليلاً بوقته ويأخذهم لـ«يشمّوا هوا».. فيأتي في الصباح التالي بعبوة عائلية من الهواء السويسري، وينصحهم بأن يشمّوا في أماكنهم. أعتقد أن فكرة الرجل السويسري ستنجح، وأن عبوات الهواء ستباع وتسوّق بأضعاف ما يتخيّل، لأن هذا العالم مجنون جدّاً بكل ما هو جديد وغريب، حتى لو كان بيع الهواء في القوارير البلاستيكية، أو بيع عتمة المريخ في زجاجات بأغطية محكمة، أو المتاجرة بأنفاس المشاهير على الطريقة نفسها.. لِمَ لا؟ فالفكرة المجنونة بحاجة إلى متلقٍ مجنون حتى يقترن بها.

بالنسبة إليّ وإلى عموم آل الطبقة المتوسطة والفقيرة، لن تستفزّنا قوارير الهواء السويسري، ولن نفكّر مجرد التفكير في تجريبها أو اقتنائها، لسبب بسيط، هو أننا شعوب «ماكلة هوا» بالأصل، وأكل الهوا يسد النفس عن كل أساليب «شمّ الهوا» المحلي والمستورد.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر