كل يوم
إنه كوكب اليابان!
مشهد مؤثر للغاية، نشاط رياضي مدرسي لأطفال في مدرسة يابانية، طفل يحاول القفز على حاجز، يفشل للمرة الأولى، ومع ذلك يحظى بتشجيع من أقرانه الأطفال، ومن مدرسه، فيعطيه فرصة ثانية، يفشل فيها مرة أخرى، فيزيد تشجيع الأطفال له، ويعطيه المدرس فرصة ثالثة، فيفشل الطفل مرة ثالثة، ويبدأ في البكاء، دليل على بدء تسلل الإحباط إليه، في هذه الأثناء يقوم الأطفال من أماكنهم، وينزلون إلى الصالة الرياضية، ويطوقون الطفل، ويلتفون حوله وهم يحفزونه ويبثون الطاقة الإيجابية فيه، وإذ به يكرر المحاولة، فينجح في القفز من فوق الحاجز!
لا ألوم كل من شاهد هذه اللقطات واغرورقت عيناه تأثراً بالموقف، هي ليست دموع الحزن، بل هي نتاج اختلاط الشعور بالفرح والإعجاب والفخر، والانكسار أيضاً، الفرح والإعجاب بالطفل والموقف والرقي الياباني، والانكسار على حالة ملايين الأطفال في المدارس العربية، حيث تُدفن الطاقات والمواهب بسبب الإحباط، وعدم الاكتراث، والشماتة، سواء من المعلمين، أو من الأطفال والطلاب!
هل لنا أن ننظر إلى مستقبل هؤلاء الأطفال اليابانيين، كيف سيتصرفون في الحياة العملية بعد عشرين عاماً من هذا الموقف، وكيف سيتعاملون مع زملائهم وأقرانهم في العمل، وأهلهم وأفراد مجتمعهم، لقد تربوا في مجتمع زرع فيهم الإيجابية والتحفيز منذ الصغر، ولا شك في أنها ستظل ترافقهم طوال العمر، سيظلون يتحدون الصعاب والتحديات ويتغلبون عليها، وسيظلون يؤمنون بالعمل الجماعي، وستظل علاقة المحبة تربط أعضاء فريق العمل، وسيظل ذلك الطفل الياباني يهزم أي مستحيل يقابله مدى حياته، لن يعرف اليأس والانكسار، لأنه لم يتعود على الإحباط، ولم يعش في جو محبط، ولم يرافق أصدقاء محبطين، فعلاً إنه كوكب مختلف، إنه كوكب اليابان!
درس كبير قدمه أطفال صغار، لجميع المتشائمين، وجميع المُحبَطين والمحبِطين، بفتح الباء وكسرها، ولجميع الحاقدين وأعداء النجاح، لقد ساهموا ــ بتشجيعهم زميلهم الصغير ــ في نجاحه، وتخطي عقبة كبيرة مقارنة بسنه الصغيرة، وبعضنا هنا يمارس هواية تحطيم الآخرين، سواء كان يعرفهم أو لا يعرفهم، يعشقون محاربة الناجحين، ويُمعنون في زيادة فشل الفاشلين!
نحن في الإمارات مجتمع صغير نسبياً، المواطنون فيه قلة، وعلى الرغم من أننا نعيش في ظل قيادة وحكومة تعمل جاهدة لبث الطاقة الإيجابية والسعادة بشتى الطرق، إلا أن هناك نماذج سوداوية للأسف، متأخرة كثيراً عن الاستراتيجية الحكومية، تعشق السلبية، وتهوى الشماتة، وتقدس تحطيم الآخرين، نماذج منتشرة في كل مكان، في الواقع الحقيقي، وفي العالم الافتراضي، نُشاهدهم ونسمع صوتهم بوضوح في وسائل التواصل، حيث ينشطون في اصطياد الأخطاء، ولا يرحمون من يسقط، يُعيدون نشر الشيء السلبي، ويبتعدون عن كل ما هو إيجابي، يمارسون أشد أنواع التكسير والتحطيم، بسبب أو من دون سبب، فقط لأنهم يعشقون هذه الأجواء، ويحبون الشماتة والتشفي، لا شك في أنهم قلة، لكنها قلة ضارة مزعجة، لا تتلاءم مع مكونات الإنسان المسلم السوي العاقل، الذي ينأى بنفسه عن تتبع عورات وزلات البشر، ولا يشغل نفسه إلا بتطوير نفسه ومجتمعه!
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .