مزاح.. ورماح
«وُريقاتٌ شارقية»
في ذلك العام تم إبلاغنا بأن حاكم إمارتنا سيزور أحد المعالم التي تم الانتهاء من إنشائها لافتتاحه بشكل رسمي.. قررنا في الدائرة أن نهديه شيئاً يختلف عن الإهداءات الكلاسيكية للفعاليات الحكومية والمتمثل عادة بدرع أو لوحة.. سألنا العارفين فأخبرنا أحد العارضين الدوريين في معارض الكتاب بأننا لن نجد شيئاً يدخل السعادة على قلب سموه مثل تلك السعادة التي يمكن أن يحملها مخطوط قديم يبحث عنه منذ فترة.. بدأنا عملية البحث والسؤال مرة أخرى فأخبرنا شخص آخر بأنه كان يبحث عن مخطوط يحمل اسم: «الجوهر الشفاف فيمن نزح عن المدينة من الأشراف».. وجدنا ضالتنا.. ولكن المهمة لم تكن سهلة.. بحثنا كثيراً وراسلنا الكثيرين ولكننا لم نعثر على هديتنا.. ولم ننجح في اليوم المحدد في إهدائها إليه.. بل ازداد حرجنا حين قرر سموه بعدها بوقت قصير أن يهدي لكل بيت في مدينتنا مكتبة كاملة!
في مدينتنا.. أكثر ما يسعد هو كتاب جيد.. يكتب الحاكم فيها كما كتب الحكام من قبله كتاباً كل فترة من الزمن.. في مدينتنا عشرات المكتبات.. وعدد من الدارات التي تحمل نوادر ما كتب.. في مدينتنا مشروع مطبق لمكتبة في كل منزل.. وهناك مكتبة فعلاً في كل منشأة حكومية.. وفي كل مستشفى.. وفي كل مسجد.. وفي كل مسرح..
في مدينتنا عشرات دور النشر وملتقى «الناشرون العرب» ومقرهم.. وعرس القراءة السنوي العربي الأكبر، حيث يلتقي من كتب.. ومن قرأ.. وليس من قرأ كمن لم يقرأ..
إذا زرت قلب مدينتنا الثقافي.. في ميدانها الرئيس ستجد نصباً تذكارياً لأقدس الكتب.. ولأجلّ كلام.. إذا وقفت في ظلال ذلك الكتاب.. فسترى في دائرة مركزها أنت خمسة معالم مختلفة تروي الطريقة التي يفكر بها سكان المدينة باختصار.. المكتبة.. المسرح.. المسجد الذي يحوي دورات للكتابة.. الجهة الحكومية المشرفة على المشهد الثقافي.. ومكتب حامل لواء القراءة فيها..
لم يكن اختيار الشارقة مدينة للكتاب من قبل منظمة اليونسكو للعام 2019 مفاجأة لأهلها على الإطلاق.. فكل ما فيها عاشق للحرف.. مدمن على رائحة الورق.. هائم بأحبار الأخبار.. وربما كان في اختيار الشارقة كثالث مدينة عربية تنال هذا الشرف بعد الإسكندرية (في عام 2002) وبيروت (في عام 2009) إضاءة إلى أن المقولة القديمة الجديدة تتغير قليلاً.. فلازالت مصر تكتب وبيروت تطبع.. ولكن الشارقة اليوم.. هي من تقرأ!
وأنت تسير في شوارع مدينتي سترى آثاراً معمارية من مدن كثيرة لا يجمعها إلا أن أهلها جميعاً شاركوا حاضرنا بماضيهم المزدهر بالكتابة التي غيرت وجه حضارتهم ذات يوم.. سترى مباني تظنها عباسية وأخرى أندلسية وثالثة عثمانية.. سترى نقوشاً أموية.. ستقرأ «لا غالب إلا الله» على بعض مبانيها.. رسالتها بسيطة.. قرأوا ذات يومٍ فسادوا العالم.. واستوعبوه.. فاقرأوا كي تخرجوا من كل تحدياتكم.. فإن الردة عن الكتاب كفر.. والردة عن القراءة جهل!
#عبدالله_الشويخ
Twitter:@shwaikh_UAE
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .