«الألماس الدموي..!»
لا شك في أنك قرأت هذا الإعلان، أو ما يشابهه: شركة «صورني وأنا ما أدري» لتركيب أجهزة الرقابة المنزلية.. تحكم بمنزلك من أي مكان، واعرف ما الذي يدور فيه عبر هاتفك المتحرك بكلفة 1000 درهم فقط لعدد سبع غرف.
أصبحت إعلانات تركيب كاميرات المراقبة أكثر من إعلانات شركات خفض الوزن، وهذا مؤشر خطير ومهم بأن لا حمية ولا ريجيم سيفيد إذا لم يتحقق الأمن المنزلي، وبالطبع إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لكثرة المؤسسات التي تقوم بتركيب الكاميرات للمنازل، فيمكنك تخيل عددها بالنسبة للشوارع والمولات التجارية وغيرها، لقد أصبحت الكاميرات جزءاً من الحياة الرقمية، وعليك أن تتوقعها في كل زاوية، وعليك أن تحترم نفسك!
ما شرائح المجتمع الأكثر تضرراً من وجود الكاميرات في كل التفاتة؟! هي ثلاث لا رابع لها: الأولى هي: اللصوص والعصابات المتخصصة بسرقة المصارف وما دونها من مؤسسات، وصولاً إلى تلك العصيبيات الصغيرة المتخصصة في سياكل الفريج، لم يعد هناك مكان لهم، كل ما في الأمر يتطلب أن تضع السيكل في إحدى الزوايا المغطاة بشبكة المراقبة وتطمئن إليه، حتى منظر الكاميرات المعتمة وإن لم تكن تعمل يجعلنا – أقصد من يرغب في ارتكاب جريمة – يراجع نفسه لما تحمله من إيحاء بأن في داخلها رجلاً شريراً يراقبك، ولا تستطيع تبين ملامحه تماماً مثل قوات حفظ النظام في سلسلة أفلام «مباريات الجوع»، بخوذاتهم المعتمة المستديرة! الشريحة الثانية هي «قليلو الأدب» ولن أسهب هنا في سرد تفاصيل أنت تعرفها أفضل مني، ولكني أذكر بعبارة «الأصنصير الشهيرة»: هذا المصعد مراقب بدائرة تلفزيونية مغلقة.
والثالثة الأكثر تضرراً هي نحن محبي قراءة الرواية البوليسية، لقد قضت الكاميرات على جمالية المشهد الأدبي في الرواية البوليسية إلى الأبد، ووضعت كُتاب هذا الصنف الأدبي في زاوية حرجة فهم عليهم إما أن «يستعبطوا» ويتجاهلوا وجود كاميرات، وبدوره «يستعبط» القارئ ويحاول الاستمتاع دون النظر إلى أن القاتل قد قام بكل شيء على مدار تسعة أيام دون أن يفكر أحدهم بالعيون السحرية، أو أن يضطر الكاتب لخلق روايته في عهود ما قبل الكاميرات، ولكنه في ذلك الحين سيكون في عهد ما قبل التكنولوجيا كلها، ما سيؤثر في قدرة جميع المختبرات وخبراء الـ«دي إن أيه» الموجودين معنا في الرواية، أو يضطر لاستخدام الثيمة المملة، وهي أن العصابة أو الأشرار أو الخيرين يعرفون شخصاً سميناً مولعاً بالتقنية، ولديه القدرة على تعطيل الكاميرات بضغطة زر، وهذه الثيمة بدأت تتكرر بشكل كبير كنوع من تبرير الفشل الأدبي، وأصبح وجود «هكر» سمين لازمة في كل قصة بوليسية، رغم أن الحقيقة المرة تقول إن أذكى هؤلاء وبعد أسبوع من الانتظار لن يعطيك سوى معلومة على غرار: «لقد اكتشفت بأن كلمة السر الخاصة بها ليست تاريخ ميلادها.. هذا تقدم مهم»!
الحقيقة الأخرى تقول إن الرواية البوليسية تحتضر ما لم يعثر المبدعون على حل، والدليل هو أن رواية مثل «الألماس الدموي» تحصل على جوائز دولية دون أن تذكر أو تتذكر عدسة كاميرا المراقبة!
Twitter:@shwaikh_UAE
#عبدالله_الشويخ
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .