شفط ونفخ..
في زمن سابق كان إذا ذهب أحدهم إلى الحلاق لتقصير شعره، يحذّر صاحب الصالون بلهجة آمرة «لا تقرّب ع الشوارب»، خوفاً من المغافلة وتخفيفها والمسّ منها، وبالتالي المسّ من الهيبة، أما إذا استشاره الحلاّق حول رغبته في نتف الشعر الزائد بالخيط فإن مصيبة قد تحدث في الصالون.
• كلما افتتح العلمُ الجراحي مجالاً في تحسين الصورة، وفرعاً جديداً للتجميل كان العرب رواده، وأول مستخدميه، محاولين تحسين صورهم الخارجية، بصور أقرب إلى الدمى البلاستيكية. |
قبل أسبوع قرأت عبارة عند أحد الحلاّقين مكتوبة فوق المرآة تماماً: «نعتذر.. لا نحدّد الحواجب»، وعندما سألته عن معناها شرح لي أن «شباباً صاروا ينافسون الفتيات في تحديد الحواجب وترقيقها وتقرينها وتغميقها بأقلام الكحل؛ وعليه قمت بكتابة هذه العبارة لأن نفسي تعاف كل هذه النعومة».
واستكمالاً للنعومة فقد سجّلت دولة عربية بأنها الدولة الأولى في المنطقة التي يُجري مواطنوها الذكور عمليات تجميل، حيث تتركّز عملياتهم في لبنان وتركيا حول تصغير الصدر، وزراعة الشعر، وتقييف الأنف.. بالمناسبة هذه العمليات هي عكس ما تجريه النساء من تجميل، الرجل يجري عملية لزرع الشعر والمرأة تجري عملية لإزالته، الرجل يجري عملية لتصغير الصدر والمرأة لتكبيره، الرجل يجري عملية شفط الدهون والمرأة تجري عملية لحقنه.. ناهيك عن نفخ الخدود، وتقشير الأسنان، وتغليظ الشفاه، وشدّ الرقاب، و«فشّ» الجفون، وتنجيد البطون، وتجديب التجاعيد الى أسفل الحنك.
كلما افتتح العلمُ الجراحي مجالاً في تحسين الصورة، وفرعاً جديداً للتجميل كان العرب رواده، وأول مستخدميه، محاولين تحسين صورهم الخارجية، بصور أقرب إلى الدمى البلاستيكية، لا فوارق واضحة ولا تعابير منفردة ولا ملامح مستقلة.
ترى لو أن هناك عمليات تجميل داخلية لزراعة الشجاعة، وشفط الجبن، ونفخ الكرامة، وتغليظ المواقف، وشدّ الصفوف.. لو أن هناك عمليات تجميل لاستئصال الحقد، وتوسيع الصدر، وشدّ الأخلاق الحميدة المترهلة في أرجاء الروح.. هل نتحمّس بمثل هذا الحماس للتجميل الخارجي الظاهري؟
ينفق البعض مئات الملايين على عمليات التجميل وتصغير البطن وزرع الشعر.. لو أن هناك جراحة لزراعة ضمير جماعي علّه يجمّل الوجه العربي كاملاً!
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .