رأسمالية المروحة
برغم كل وسائل الراحة والتكييف، الغرف المبرّدة وثلاجات الماء والسيارات المكيّفة وعوازل الحرارة التي تفصل الجدران، ومع ذلك لا يمرّ يوم إلا ونضجر ونتأفف من درجات الحرارة المرتفعة ولا نطيق الوقوف دقائق معدودة تحت الشمس أو نحاول التغلّب على التعطل المفاجئ لمكيف البيت أو نفاد الغاز من مكيّف السيارة. السؤال الذي يخطر ببالي دائماً: كيف كان أجدادنا يعيشون الصيف بدرجات حرارته المرتفعة اللاهبة التي نعيشها اليوم، ولم تتوافر لديهم أدنى وسائل التبريد وتلطيف الجو، فحتى منتصف القرن الماضي لم تكن الكهرباء متوافرة في مختلف المدن والقرى في العالم العربي. وأقصى اختراع كانوا يتمتّعون به هو وضع البشكير المبلول على الرأس، والانسداح على أرض الغرف الطينية ساعات الظهيرة، وسكب الماء من جرار الفخّار على الصدور والأجسام، حتى يغالبهم النعاس ويناموا تعباً لا نعاساً واستمتاعاً.
• السؤال الذي يخطر ببالي دائماً كيف كان أجدادنا يعيشون الصيف بدرجات حرارته المرتفعة اللاهبة التي نعيشها اليوم؟ |
طبعاً لم تقنعني الأجوبة في مجملها التي يقولها من بقي على قيد الحياة منهم أن «الحرارة لم تكن بهذا الارتفاع»، وأن الجو كان أبرد بكثير من هذه الأيام. غياب التسجيل وضعف اهتمام الجهات المعنية بالاحتفاظ بتاريخ درجات الحرارة لعقود مضت لا يترك أمامنا إلاّ أن نوافقهم ونصدّقهم، مع بقاء السؤال مطروحاً: كيف كان القدامى يتعاملون مع درجات الحرارة المرتفعة في غياب اختراع التكييف؟
أذكر في ثمانينات القرن الماضي كان لدينا مروحة أرضية بساق واحدة، يحتكرها غالباً كبير القوم ويحرم بقية أفراد العائلة بحجّة الخوف من إصابتهم بالتهاب القصبات الهوائية، لم تكن هذه المروحة تضيف شيئاً جديداً في أغسطس، سوى أنها تأخذ الهواء الساخن من الجو وتعيد توزيعه على الحضور، كانت أشبه بمجفف الشعر «السشوار»، إلا أنها من غير مقبض، كانت تمرّ أيام قائظة كالتي نشهدها الآن، مع اختلاف بسيط وهو أن بيوت الطين كانت تحافظ إلى حدّ ما على حرارة الغرفة، ولا تقوم بامتصاص الحرارة كما تفعله بيوت الأسمنت الحالية، لكن التعرّق واحد والشوب واحد، والنوم على البطن واحد، والناموس واحد.. إلى أن تم اكتشاف المروحة السقفية، عندها تم كسر احتكار «كبير القوم» الإقطاعي الرأسمالي لوسيلة التبريد اليتيمة، وأصبح الهواء «شيوعياً» للجميع، يتوزع ساخناً أيضاً، لكن بالتساوي هذه المرة.
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .