وظيفة العشر
هلّت علينا عشر ذي الحجة العظيمة عند الله تعالى، والكثيرة البركة، لما فيها من خير وفير، وأجر كبير، يشترك فيه الحجاج والقاطنون، فهذه مِنَّة كبيرة على الموفقين من العباد، وقد نبه الله تعالى عباده لفضلها بأن أقسم بها تفخيماً لشأنها، وإشادة بذكرها، فقال سبحانه: ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾، والفجر هو فجر كل يوم، حيث ينشق عن نور النهار ليصحو العباد من سباتهم، ويقبلوا على ربهم، وينتشروا في أرضه، والعشر هي عشر ذي الحجة، والشفع هو يوم العيد، والوتر يوم عرفة.
• سُئل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الأضاحي فقال: «سنّة أبيكم إبراهيم عليه السلام»، قالوا: ما لنا فيها من الأجر؟ قال: «بكل قطرة حسنة». |
وبيّن سبحانه أن هذه الأيام أيام ذكر وشكر لله تعالى، فقال جل شأنه: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾.
كل ذلك ليجتهد العباد باستغلالها بما ينفعهم فيما خلقوا لأجله من الإيمان به وعبادته سبحانه، وقد يسر لهم اغتنامها بأن جعل سائر الأعمال الصالحة محبوبة لله تعالى، وأنها أفضل من أي عبادة في سائر العام، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء»، فلم يستثن شيئاً من الأعمال، والعمل الصالح هو كل طاعة وقربة لله تعالى، ومنه الفرائض من صلوات وزكوات وصلة أرحام وبر والدين، والنوافل كنوافل الصلاة والصدقات وفعل الخيرات والأذكار وطلب العلم، فكل هذا يشمله اسم العمل الصالح، إن أريد به وجه الله تعالى والدار الآخرة، وهناك أعمال صالحة مطلوبة بذاتها، منها:
1- كثرة الأذكار، كما حث على ذلك المصطفى، صلى الله عليه وسلم، بقوله: «ما من أيام أحب إلى الله فيهن العمل من هذه الأيام أيام العشر، فأكثروا فيهن التكبير والتهليل والتحميد»، فيهلل المسلم ويكبر في سائر أوقاته، لاسيما عند رؤية بهيمة الأنعام، وهو المراد بقول الله تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾، ويسمى هذا التهليل والتكبير مرسلاً، والمقيد بعد الصلوات يكون من صبح يوم عرفة، وقد كان أبوهريرة وابن عمر رضي الله عنهما يخرجان أيام العشر إلى السوق فيكبران، فيكبر الناس معهما، لا يأتيان السوق إلا لذلك.
2- الصيام فيها لمن تيسر له ذلك، لاسيما من كان عليه قضاء، فإن اغتنام فضيلة هذه الأيام يجبر رخصة من أفطر في رمضان لعذر من مرض أو سفر، أو المرأة بعذرها الشرعي، فقد ورد في حديث ضعيف، يُعمل به في فضائل الأعمال: «ما من أيام الدنيا أيام أحب إلى الله سبحانه أن يتعبد له فيها من أيام العشر، وإن صيام يوم فيها ليعدل صيام سنة، وليلة فيها بليلة القدر»، ويشهد له ما روي عن حفصة، رضي الله عنها، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان لا يدع صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر. والصيام من جملة الأعمال الصالحة، ويتأكد صيام يوم عرفة لغير الحاج، فقد قال، صلى الله عليه وسلم: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده».
3- إعداد الأضاحي نِـيًّة وتسمينها لتكون أطيب لحماً، لأنها من أفضل القرب لله تعالى، اتباعاً للسنة المطهرة، وإحياء لسنة الخليلين محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأضاحي، فقال: «سنة أبيكم إبراهيم عليه السلام، قالوا: ما لنا فيها من الأجر؟ قال: بكل قطرة حسنة».
4- يسن لمن أراد أن يضحي أن يمسك عن شعره وظفره حتى يذبح، ولا يجب ذلك عند جمهور العلماء، ولا يؤثر عدم الإمساك على الأضحية اتفاقاً.
5- يسن أن يأكل من أضحيته، ويتصدق ببعضها، ويهدي البعض الآخر، مواساة للمحتاجين، وإظهار المحبة بين الأقربين.
* «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .